إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 18 مايو 2018

خواطر رمضانية 2


كلما طالت مشقة النهار، وامتدت ساعاته، وازداد تعب الأجساد، وإرهاق الأنفس ، لابد من ليل هاديء يعقبه، ومحطة تقطع وصله، لتهدأ نفوس مرهقة، وتستريح أجساد متعبة، وتتنفس الصعداء صدرور أرهقتها حرارة النهار. كلما ازدادت اشتغالات الإنسان بالدنيا وملذاتها وهو نشيطا قويا، لابد له من لحظة يركن فيها ضعيفا، مبتعدا عن كل نشاطات الحياة الجسدية والعقلية، حتى يريح جسده وعقله وروحه من كل جهد أتعبه واستهلك طاقته. 

يجتهد الإنسان في حياته كعجلة تدور بلا توقف، في سبيل تأمين لقمة عيشه، باحثا عن كل سبل الراحة في العيش مجتهدا بنفسه وعقله وجسده، متناسيا كل تعب وإرهاق. في وقت ما يجد الإنسان أنه بحاجة للحظة يرتمي فيها في بحيرة ما مبتعدا عن كل الحياة وما فيها، يحدّث نشاط روحه، يحدّث نشاط عقله، يحدّث نشاط قلبه. يجد نفسه بحاجة لمناجاة روحية تبدد كل أتعابه التي أثقلت كاهله، وشرخت قلبه ونفسه بشفرات الحياة الموجعة، بحاجة لسيل منهمر يغسل جوارحه المتعبة. في خضم هذه الحياة المرهقة وجد شهر رمضان بحياته الجميلة وطقوسه الممتعة، شهر نسيمه روحانية، وطقوسه عبادة لذيذة، ونشاطاته كلها ذكر، سماءآته يتردد فيها صدى صوت قاريء القرأن، ومساءآته تسبح فيها حشرجات  التائبين العابدين الذاكرين، صوت بكائهم يصدح بين الأضلاع لينفجر في فضاءآت كلها قدس. شهر تموت فيه أرواح قاسية، لتحيا أرواح لينة طيبة، شهر تختفي فيه ألسنة بذيئة، لتخرج ألسنة كلامها طيب، شهر تزول منه أيد وأرجل تخضبت بالعبث، لتجيء غيرها أيد مبسوطة بالعطاء الكريم.


شهر رمضان الذي تتجدد فيه الأرواح، وتغتسل فيه القلوب، وتصفى فيه العقول، شهر وجد كمحطة استراحة للمسلم من عناء الحياة ، وماء به يغتسل الخاطئون من أدران الحياة. شهر وجد لنا حتى نمحي خطايا الأمس بحسنات اليوم، شهر تكثر فيه معالم الخير والأمن والسلام والسكينة والحب. شهر علينا أن نعيشه كما يجب أن نعيشه حتى لا نخسر حياتين، ولا تفوتنا فرصتان ، لنجدد فيه الحياة الأولى، ونعمل للحياة الأخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق