إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 29 يوليو 2013

بين دفتي الموت قد حملا............اليقظان وناصر

بين دفتي الموت قد حملا..........أليقظان وناصر....

عندما يؤمر ملك الموت بقبض الأرواح ستكون هنالك النهايه لحياة الإنسان الدنيا والإنتقال إلى الحياة التي ليس لها نهايه.ونحن بني البشر بطبيعتنا نكره نهاية الحياة الدنيا لأنها المسرح الذي نزاول فيه كل ما يحلو لنا من الخير والشر،من المتعة وغيرها.ستكون النهايه الحتميه لبني الإنسان وستتعدد أسبابها وطرقها لكن العبرة دائما كيف ستكون النهايه،لذلك نحن دائما نسأل الله حسن الخاتمه التي نود أن نحشر عليها....
فنحن قد فقدنا أحبتنا وأهلنا وأقربائنا وأصدقائنا وإخوتنا في الدين وإخوتنا في الإنسانيه ولهذا الفقد أثر مؤلم أجج في النفس حزنا بالغا وحرقة عظيمة وجرحا غريزا. فبالإمس فقدنا، وأمس فقدنا وغدا سنفقد،لأننا كلنا لا محالة مهلكون.فألم فراق الأحبه ليس هينا وليس سهلا. فالأحبة الذين فارقونا ورحلوا عنا تركوا أثرا عظيما في حياتنا، فذكراهم أبت إلا وأن تحرق قلوبنا وتضعفها لكن الإلتجاء الى الله الكريم خفف من حدة الألم والحرقه. فهذه قصة لحظة فراق الحبيبين التي ظلت تراودنا في كل لحظه وفي كل ساعه.

اليقظان وناصر إخوتي ذهبا من البيت إلى المزرعه ومن ثم إلى الموت...لتأخذهم يد الموت في حال وصفها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ميتة الشهداء...اللهم أجعلهما من الشهداء.
في الخامسه والاربعين دقيقه صباحا وفي يوم الجمعه السادس والعشرين من شعبان، الخامس من يوليو يرن هاتفي ولم يكن من عادته ان يرن في الصباح الباكر.وكنت قد تركته بعيدا عني من الليله السابقه ليشحن ولأكون بعيدا عن صخب الهواتف بكل محتواياتها لا سيما الواتس اب،ذاك الموسوعه التي تحوي بين دفتيها الكثير لاسيما سرعة إنتشار الخبر ،وما أكثر الإشاعات.لم أكن مولعا كثيرا بهذا البرنامج الساحر لكنني استخدمه للضروره الملحه وبالمقابل معظم الناس يستخدمونه فلا بد لنا ان نواكب الحياة ونحادي الركب. نهضت من فراشي هرعا لأرى من هو المتصل في هذه الساعه من الصباح الباكر في لحظه مازالت الشمس لم تتفيأ السماء مازالت متخفيه بين الجبال كمن يراقب احدا. مازالت بجمال منظرها وروعة هيئتها بإشعتها الذهبيه التي تطل من بين الجبال،والعصافير هجرت مخادعها لتعيش الحياة.حملت الهاتف بيدي وفتحت عيني جيدا...هذه عمتي التي تتصل ،ماذا تريد في هذه الساعه وليس من عادتها أن تتصل بي في الصباح الباكر ،قلت في نفسي ساتصل بها لاحقا عندما أغتسل وأغسل وجهي.تركت الهاتف مكانه ولم ارد عليه.في ذاك الصباح كان اليقظان قد أخذ ناصر معه إلى المزرعة أولا ثم السوق ليبيع القت(البرسيم).الريفيون يؤمنون أن حصاد الرزق في البكور وهم موقنون أن عليهم أن يستيقضوا قبل الأطيار ليحصدوا الحظ الوافر من الرزق وهم مدركون من يأتي اخيرا يربح قليلا ومن يأتي اولا أي حينما يتنفس الصبح سيجد الرزق مفتوحة له ابوابه على مصراعيها.عندما ابتعدت عن الهاتف قليلا وإذا به يرن أخرى قلت في نفسي اللهم إجعله الخير ،عندما رن ثانيه هذا يعني ان الامر لا يحتمل الإنتظار ،أخذت الهاتف وتكلمت

  السلام عليكم
وعليكم السلام عمتي
صالح اليقظان وناصر مسوين حادث
اليقظان وناصر!؟ وين؟
في قرن قطار.
طيب بروح الحين..... انتهت المكالمه

اتصلت بأخي عامر وقلت له نفس ما قيل لي وطلبت منه ان يتجهز سنذهب انا وهو معا. ذهبنا إلى قرن قطار وهي تبعد عن محلنا قرابة 10 كيلو مترات.في تلك اللحظه أيقنت أن الحادث شنيع وإلا لماذا لم يتصل اليقظان؟ لماذا عمتي هي من اتصل؟ من أخبرها؟
أسئله كثيره كانت تدور في مخيلتي وتعجبات. بين الأفق البعيد وناظري يتخيل إلي اليقظان وهو مطروحا ارضا وناصر هو الأخر،كنت اسأل الله الخير لهما وان لا يكون أي مكروه قد اصابهما لكن إحساسي الذي كثيرا ما يصيب يقول لي أن هنالك امر جلل قد حصل. إقتربت من موقع الحادث، السيارات القادمه من موقع الحادث تؤشر لي بمصابيحها وأضوائها ان هنالك شئ ما، كنت أعلم ما هناك.... هنالك اليقظان وناصر في الحادث هنالك فلذات أكبادنا...هنالك الحبيب والحبيب إخوتي الذين أحبهم كثيرا كثيرا...
اليقظان كان عمره قرابة الثانيه والعشرين وهو قد أتم الدراسه في معهد التدريب المهني وحصل على إمتياز ليترحل إلى الكليه التقنيه ليتم دراسته وناصر الذي كان عمره ثلاثة عشر ربيعا. يوم الخميس أي اليوم الذي يسبق الحادث كان بيده هاتف قلت له بنبرة عدم الرضى من وين جبته ومن أذن لك تستخدم الهاتف...قال ابوي اعطاني إياه فسكت ولم أعقب عليه مدركا انه سيحسن إستخدامه.إقتربنا من الحادث وإذا بسيارات وبأضواء شاحنة الدفاع المدني وسيارات الشرطه،كلما أقترب من الحادث ازداد يقينا أن الحادث شنيع وأن الوضع في أسوء حالاته. جسمي يقشعر ونفسي ينتابها الفزع والذهول من هول ما سأراه هنالك.اقتربت كثيرا ووقفت خارج الشارع،ركضت إلى السياره والشرطه قد طوقت المكان لم تسمح لأحد بالإقتراب.عيناي شاخصتان قلبي لا يكاد يدق نفسي مذهوله ومذعوره من هول الحادث اركض بلا شعور إلى سيارتهم المصدومه بشاحنه ضخمه ساعتها أيقنت أن الموت قد أخذهم.السياره متكسره ملتويه طرقتها شاحنه ضخمه غيرت من شكلها وكسرت قطعها المتواصله ،جسم السياره ملتوي كأن ماردا قد طرق بيده الضخمه ذبابة تطير بقربه حتى ارداها وغير من حالها ووضعها. أركض وتتلقاني الايادي لتمنعني من الوصول وأحاول جاهدا أن أخترقها لاري إخوتي اليقظان وناصر.
اليقظان غير موجود والصدمه في جانبه ليست كمثل الصدمه بجانب ناصر ،قيل لي ان اليقظان مسعوف إلى مستشفى نزوى وناصر محاط برجال الدفاع المدني يحاولون إخراجه بكل الوسائل لكن هول الصدمه كان اقوى من القدرة على إخراجه.إحتضنه الحديد بعد الموت والتصق به بعدما كسر ساقه وصدره وراسه. الدم يثور والعظام متكسره والجمجمه أخرجت ما بداخلها والخشم ملتوى. ناصر إبن الثالثه عشره ذهب ليعاون أخيه في بيع المحصول يحتضنه الموت وبقوه ليكسر الحادث معظم عظامه.وقفت انظر إليه بعبره وخوف وشوق وحنن مدركا أنني لن أراه ثانيه مدركا أن الموت إختطفه من بين إيدينا دون إنذار. فصرخت في داخلي.. يا الله...ثم اختبأت خلف الشاحنه التي قتلته لابكي بكاء مرا لابكي بكاء الفراق المؤلم لابكي بكاء الشوق والحنين لابكي بكاء الرجال وما أصعب بكاء الرجال بكاء يحرق القلوب ويتعب النفوس بكاء به تسيل دموع العيون بحرقه أليمه بكاء يضعف الجبابره بكاء حرقة الفراق.الناس ينظروني بحرقه والم من هول المصاب. ثم رجعت لأراه مرة أخرى فقلت رحمك الله يا اخي والدمع يحرقني والالم يقطعني والمرارة تشوي جوارحي.ثم قال لي ابن عم لي لنذهب إلى مستشفى نزوى لنتاكد من حالة اليقظان ذهبنا ونحن ثلاثة،ركبت السيارة وكلي أمل بأن يكون اليقظان على قيد الحياه.أسال الله تارة أن يرحم ناصر ويغفر له وتارة أخرى ان يفرحني ويبرد علي قلبي ويسكن جوارحي بان يكون اليقظان بخير وعلى قيد الحياة.جسمي ثابت لا يكاد يتحرك يداي مرتبطتان عيناي شاخصتان شفتاي ترتعشان دموعي تسيل لساني يلهث بالدعاء،هاتفي يرن مرارا وتكرارا لم اكن ارد على احد ابدا.عقلي ساكن ولم ينتعش ولا يتحدث، بقت فيه صورة ناصر. ابي اخواني اهلي اجمعين كيف هو حالهم الان ماذا يفعلون؟ هل وصلهم الخبر؟ كيف استقبلوه؟يخيل إلي أنني أنا المذنب وكأنني أنا من أتي بالشاحنه وجعلها تصدمهم، لا أتفوه ابدا سوى حشرجات حارقه تعذبني وأتبعها بكلمات يارب إرحمني مرة وبالدعاء مرة أخرى.وصلنا مستشفى نزوى قسم الطواري دخل ابن عمي وسال عن اليقظان فساله الموظف من انتم فقال: هذا اخوه وأشار إلي ثم قال بحزن: اليقظان وصل الينا متوفيا....يالله صاعقه أخرى تحطمني تمنيتها طول المسافه ألا تكون...فكانت وأوجعتني كثيرا فحب اليقظان ليس بأقل من حب ناصر فكلاهما سواء وليست هذه الصدمه بأقل من سابقتها فكلاهما ضربة قويه شلت قدرتي وتكسرت قواي وأوهنت، تجرحت جوارحي فبكيت بجانب اليقظان بكاء مرا لوفاة الحبيبين بعد أن رأيته مطرحا في سرير الموتى ومغطى بغطاء الموتى.كشفت غطاءه لأراه فرأيته فارقنا وفارق الحياة،ذهب إلى جوار ربه مرحوما مغفورا له بإذن الله.اليقظان أخي من ابي وكذلك ناصر لكن حبهما عظيم جدا.اليقظان قبل وفاته كان يبشر أمه بموته ولكنها كانت تعتبر كلامه كلاما غير صحيح وتظنه مازحا...كان يقول يادنيا أعذربني الجنة تناديني كان يرددها قبل وفاته...اليقظان كتب في احد معرفاته إذا مت فأدعو لي ومازالت حالة المعرف موجوده.اليقظان الذي يسارع في خدمة والديه دون تعب او كلل او تعذر...اليقظان الذي عودنا على الإبتسامه البريئه والضحكه الجميله...اليقظان يقابلنا ببشاشة الوجه والقلب.اليقظان كان الاكثر مواظبا على صلاته...اليقظان الذي لم تفارقني صورة ضحكته وصورة جثته....
ناصر تقله سيارة الاسعاف من مستشفى إزكي الى البيت راحلا إلى جوار ربه طفلا لم يبلغ الحلم ذاهبا إلى جنة عرضها كعرض السموات والارض وهو من أحباب الله هنيئا لك الجنة يا أخي وحبيبي. اليقظان تقله سيارة الإسعاف من مستشفى نزوى إلى البيت راحلا إلى جوار ربه شهيدا بإذن الله, والله نسأله اأن يجعلهما ممن يقال لهما أدخلوها بسلام أمنين،ركبت معه في سيارة الاسعاف بجواره ويداي في صدره موجهة لرب السماء تدعو له بالرحمة والمغفرة. في سيارة الإسعاف اطلقت نفسي العنان لنفسها،بكت عيناي بكاء لم تبكي مثله قبلا وانتحبت نفسي كثيرا ولساني يلهث بالدعاء لهما. وصلنا البيت تجامع الناس ليرفعوا جثة اليقظان واخرين يساعدونني في النزول لم تستطع قدماي ان تحملاني لم تسطيعا على حملي وحمل المصيبة معي. وصلت جثة ناصر ووضعت بجنب جثة أخيه،لم أكن أتوقع أن أري أمامي جثتين لأحبابي وفلذات أكبادنا. كنت أذكر الموت أحيانا وأتوقعه ان يأخذني او يأخذ احد اقربائي لكنني لم أتوقعه أن يأخذ أكثر من واحد في لحظه واحده. تغسل الجثتان وعيناي شاخصتان تصور الهول العظيم راضيا بحكم الله وقدره وغير متحملا رحيلهما. انظر إليهما بشوق عظيم لانني أيقنت انهما ذهبا إلى أللا رجعه. سبقانا إلى الحياة الأخره التي لم نحسب لها حسابا التي لم نتجهز لها التي لم نصنع لها الزاد.دفنت الجثتان في مقابر المسلمين دعونا لهما ثم رحلنا عنهما.... رحلنا لننساهم، رحلنا لنلهو مرة أخرى في الحياة ،رحلنا لننسى الموت وما بعده.ودعناهما ورحلا إلى جوار الله وإلى الدار الأخره. كنت أقول في نفسي لن يأخذ الموت أكثر من واحد في لحظه. ولن يأخذ الأخوة معا أو الأحبة معا...لكنني أيقنت أنني مخطئ،وأيقنت أن يد الموت ستقبض كل شخص .ستقبض الإخوة والإحبه وكل أحد. أيقنت أن اسباب الموت مجرد أسباب وطرق واساليب وكيفيات للموت،لكن الموت هو الموت وإن تعددت اسبابه. رحم الله أموات المسلمين...ونسأل الله حسن الخاتمه.

صالح الفارسي