إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2018

عقولنا مفترسة


سلسلة مقالات التعاون الثقافي مع مدرسة لميس الأنصارية

كل يوم تشرق فيه الشمس نتفاجأ بميلاد تقني جديد، ونرى نتطورا جديدا في الحياة الإنسانية. كل يوم يدهشنا الإنسان بتوسعه العلمي، وإدراكه العقلي متصاعدا بتطوره الذي يخدم الحياة ويسهّل سبلها ووسائلها، ليصبح المستحيل سهلا متاحا، والطرق لتحقيق الأحلام والأهداف تبدو أقرب مما نتخيل بسبب تسخير الوسائل التي تساعد على كل هذا وذاك، لاسيما التقنية بكل جوانبها المتفرعة والمتسارعة نحو التطور بخطى لا يدركها البصر لسرعتها، لتقدم للإنسان خدمة عظيمة لم يشهدها التاريخ ذي قبل. 
فالألعاب الإلكترونية أحد وسائل التقنية التي أدهشت العالم بسرعة تطورها، وأدهشته ببراعة التصميم، والتسابق في تحديثها يوم بعد يوم، مما جعلت البشر يقبلون عليها قبولا متزايدا في استخدامها، باحثين فيها عن المتعة والفائدة لاسيما تلك الألعاب التي صنعت خصيصا لتنمية مهارة العقل وبعض الحواس الأخرى. رغم أن فوائدها شتّى للإنسان، إلا أنها أداة ذات حدين إذا ما أسيء استخدامها، وأكثر الذين يتأثرون بها سلبيا هم الذين لا يستطيعون استخدامها بشكل متوازن ومنظم، لتصبح أداة هدم وحدّ مشفّر جارح.
وُجدت الألعاب الإلكترونية لاستخدامها استخدام بسيط ولوقت يومي قصير  ليروِّح الإنسان بها عن نفسه بعد مشقة الحياة ومضايقاتها، وليثري بها عقله وينمي مهاراته. لكن الإنسان جعلها ملاذا يسترخي إليه، ويبتعد به عن العالم المحيط، لتصبح معولا يهدم كثيرا من الأشياء التي يستند عليها الإنسان بإعتبارها قواعد تقيم حياته وتدفعه نحو الأمام باستقامة لا إعوجاج فيها، ولتصبح كالسباع مفترسة عقولنا التي تحركنا في هذه الحياة. 

فحينما أسيء استخدام الألعاب الإليكترونية، أوقعت الفرد بين قضبانها أسيرا، وبين مخالبها فريسة سهلة، فطفق يستخدمها بإفراط كبير، مضحيا بوقته الثمين وصحته التي لا تعوض، وماله وكثيرا من الأشياء المهمة في الحياة، فتعددت تأثيراتها السلبية في كل الجوانب الإجتماعية والنفسية والصحية وغيرها. 
حينما كان يقضي الواحد منا وقته بين أسرته ومجتمعه في تواصل جميل، يبني العلاقة الإجتماعية ببني جنسه من القريب والبعيد، كانت الحياة جميلة ولذيذة ويشعر الفرد بكل ما تبثه الجماعة من ألفة ومحبة ووئام، ليصبح الفرد وكأنه عضو في جسد، لا فرد في مجتمع، فألم الواحد يشعر به الجميع، وحزنه متوزع على الكل، وثقله يحمله كل قريب وبعيد، فلا يشعر الإنسان ألا بالحب والألفة والسعادة وهو بين مجتمعه الصغير والكبير. بينما اليوم نجد الناس متباعدين، كل منشغلا بجهازه، مختليا به مفارقا أحبته وأصحابه حتى أهل بيته، ليشعر بحب اللعبة فقط، فاقدا حب الأسرة وأهل  القرابة والأصحاب.

حينما أساء الإنسان استخدام الألعاب وأعطاها كل وقته، جعلته إنسانا أسيرا وفريسة لها فاقدا للحرية التي يضحي الناس من أجلها بدمائهم ومالهم وكل ما يملكون، واليوم يبذر الواحد منّا بوقته وحريته فاقدا جل يومه الذي لا يشعر برحيله، فيمر الوقت من بيننا سريعا كأنه لم يمر أبدا، فلا نشعر إلا وأن كثيرا من الأشياء فاتتنا ولم ندركها ولم نعرف حتى ما هيتها. الوقت الثمين الذي سنشعر بقيمته في أخر حياتنا بذّرناه أيما تبذير وأتلفناه في لا شيء إلا فيما يقتلنا ويقتل حياتنا وشبابنا ويدمر مجتمعنا ويلوث سلوكياتنا، فنشعر دائما أننا مشغولون ولا نملك الوقت لقضاء الحوائج ، فيمر العمر ولم ننجز شيئا.

حينما نفرط في استخدام الألعاب الإلكترونية فإننا ندفع صحتنا ثمنا لها، ونهلك أجسادنا، حتى تضعف، فلا نستمتع بالصحة فيما نستلذ متعته في الحياة الجميلة. عيوننا تفقد قوتها جرّاء التركيز المستمر ولساعات على شاشة الجهاز، فيضعف النظر وتقل الرؤية وتفقد العيون نضارتها وحيوتها فتغدو بلا بريق، حتى يوخزنا الألم فننتبه متأخرين بعد أن فاتنا القطار، ورحلت صحتنا بلا عودة. فيتعب العقل، ويرهق الجسد، وتستنزف القوة، ويضعف البصر وتكل العضلات وتذهب قوة العظام، فيشيخ الإنسان قبل أوان شيخوخته.

حينما لا يوازن الطفل مثلا في استخدام الألعاب الإليكترونية سيتعرض لمطبات حيوية سيئة تعيقه وتدمر صحته ومعيشته وحالته النفسية وعلاقته الإجتماعية. بسبب الإدمان باللعب، فقد كثير من الأطفال صحتهم وتعرضوا لأمراض سيئة مؤذية وخبيثة، منها تعذر علاجه، والأخر صعب بكثير، فيكبر الطفل وتكبر معه الأفة متعلقة بجذورها في كل حياته لا تفارقه إلا حينما يموت. أصيب كثير من الأطفال بالتوحد لإنعزالهم باللعب ساعات وساعات، وأصيبت عقولهم بعد إفتراسها، وفرغت من المحتوى المعرفي الذي يجب أن يحصل عليه الطفل بطبيعة حياته. بسبب الإدمان السيء باللعب ينشأ كثير من الأطفال بلا سلوك  إنساني متحضر، لأنهم لا يتواصلون مع البشر إلا قليلا، كرسوا جل أوقاتهم في اللعب فاقدين لحظات التواصل الإجتماعي الجميل الذي يُعلم الإنسان ماهية الإنسانية وخصائصها ومتطلباتها ، فنشأ أطفال عدوانيين، أنيانين شرسين، فاقدين لكثير من السلوك الإنساني الطبيعي. 

قد يكون اللعب سلاحا ذو حدين، وُجد للفائدة وتصبح كثرته وبالا على المستخدم ، ولنا في الحياة أمثلة كثيرة وعديدة. تذكر كثير من التقارير والبحوث العلمية سلبيات الإفراط في استخدام الإلعاب الإلكترونية وتحذر الناس من سلبياتها السيئة جدا لا سيما على الأطفال. يلجأ كثير من الناس إلى توفير أجهزة اللعب لأطفالهم ظنّا منهم أن هذا التوفير أحد الواجبات اللازمة على الأب والأم، فلا يهتمون بكيفية استخدامها ولا منتبهين لمخاطرها التي قد تأخذ أطفالهم من بين أيديهم ضحية سهلة ستبكي عليها العيون وستحترق عليها القلوب وستلطم عليها الخدود. علينا جميعا أن ننتبه وبقوة لمخاطر الألعاب الإلكترونية وخاصة الحديثة التي تأتينا مقصودة من جهات تود غرس السموم في محيطنا وتفترس عقولنا وتفرق شملنا وتصدع أساسنا. علينا أن نعرف كل ما نوفره لأطفالنا ومخاطره وسلبياته، لأن من يحب طفله حتما سيبعد عنه كل المخاطر ، ويجعله آمنا مطمئنا.



الأحد، 9 ديسمبر 2018

السم القاتل



سلسلة مقالات التعاون الثقافي مع مدرسة لميس بنت عمرو الأنصارية

إن أكثر الأمور سوءا أن يجبر الإنسان على التعامل مع أشياء الحياة بمختلف أنواعها التي تحمل بين طياتها الأذى والوجع، والتي لا يستطيع الإنسان الإنفكاك عنها، أو حتى تركها كليا، لأنها من الضروريات في الحياة. قد ترى إنسانا قريبا أو صديقا تربطك به علاقة وطيدة، لكنه قد يتبنى عادة سيئة أو به خصلة لا تقبلها الأنفس، فهو يعتبر قريبا منك، لكنك لا تتحمل منه تلك العادة مثلا، أيا ماكانت، فتضطر إلى التعامل معه. ومن العادات السيئة التي يتبناها بعض الناس ويكرهها الأخرون هي عادة التدخين، تلك العادة السيئة التي ينفر منها كثير من الناس ولا يتقبلونها أبدا، لضررها و مخاطرها والأذى النفسي والصحي التي تسببه حين استنشاقها، ناهيك عن التأثيرات الأخرى الأقل ضررا. لكن الإنسان بات مجبرا على التعامل مع البشر الذين اعتنقوا هذه العادات كونهم بشرا والإنسان مدني بالطبع، فلا يستطيع قطع علاقته بالأخرين والإبتعاد عنهم، رغم ضرر عادة التدخين و مخاطرها.

إن التدخين من أكثر العادات شيوعا وإنتشارا في العالم بين الناس، وتعد من العادات التي لا تفارق مجالس الناس وأماكن إقامتهم، واسترخائهم، فهي رفيقة حياة الكثيرين، لا تفارقهم إلا في المنام، إذ أنها أحيانا لا تبعد سوى سنتيميترات عن صاحبها. واستطاعت أن تحل مكانة قريبة جدا من حياة الإنسان إذ أنه يضحي من أجلها بالكثير، ضاربا بالأشياء الأخرى عرض الحائط، متناسيا أو متجاهلا  أضرارها ومخاطرها التي حتما ستقضي على ماله وصحته ثم حياته وببطء قد لا يشعر به هو مع مرور الزمن. وقد يجد المدخن متعته وقت التدخين وهو يحرق صدره ويتلف رئتيه ويغلق شراينه ويرهق قلبه إرهاقا عظيما، لتبدو معظم أجهزة الجسم بعد زمن وكأنها أحرقت بمادة كيميائية غيرت من حالها . كيف لا والسيجارة سم قاتل فهي تحتوي على مئات المواد الكيميائية السامة والقاتلة كالنيكوتين، والقطران وأول أكسيد الكربون، وكثير من المواد التي تشترك في تكوينها وكلها مواد لا تزيد الجسم إلا خرابا وتهدر قوته وصحته. فتؤدي كل هذه المخاطر لخلق حالة نفسية سيئة في نفس المدخن، وهي تشترك في هذا مع نفور الناس عن الإقتراب منه بسبب رائحة الفم الكريهة التي يسببها التدخين، فينفر الناس منه، وقد يزعجه هذا ويقلقه ويجعله منبوذا نوعا ما. مما سيؤدي في بعض الحالات لخلق مشكلات إجتماعية مع البعيد والقريب لا سيما المجتمع المحيط به. أن هذه الأدخنة التي يخلفها إحتراق السيجارة قد تؤثر بمن هم حول المدخن، وتسبب لهم أمراضا كمثل الأمراض التي تسببها للمدخن نفسه، لاسيما أولئك الذين يدخنون في بيوتهم بالقرب من افراد أسرتهم، وبالأخص الأطفال فهم أكثر عرضة لمخاطرها المؤلمة بتعدد نواحيها. كما أن التدخين مهدرا لصحة الإنسان فهو أيضا مهدرا لماله ومستنزفا له، فجملة ما ينفقه المدخن لشراء السجائر في شهر مثلا، كفيلا بشراء بعضا من مستلزمات الحياة الأسرية، فهو كما أنه مؤثر سلبيا على النفس والجسد، أيضا مؤثر على المال ويهدره فيما يعود بالسوء على صاحبه.

إن التدخين اليوم أصبح عادة يزاولها نسبة كبيرة من البشر، وقد تطّبع عليها الناس والمجتمع لتصبح مقبولة بعد إن كانت منبوذة ويعيبها الناس ويعيبون المدخن نفسه، فانتشرت وبسرعة في أوساط المجتمع لتغزو حياة الكثيرين، حتى الأطفال أصبح كثير منهم مدمنين عليها. رغم كل حملات التوعية المنتشرة والمختلفة ما زال التدخين كما هو بل ويتزايد انتشاره وغزوه للناس، وذلك بسبب غياب الثقافة ومعرفة مخاطره ومساويه. والتدخين أمام الأبناء ممنوعا أبدا ومرفوضا قطعا، فهم حتما سيقلدون الأب أو الأم فيما يصنع، وسيحذو الابن حذو أبيه، فإن دخن الأب أمام ابنائه، فسيدخنون هم غدا، لأنهم يحاكون أبيهم. نحن اليوم بحاجة لأن نقضي على هذه العادة تماما، حتى يخلو المجتمع من المدخنين حفاظا على أرواح البشر وصحتهم من السموم القاتلة التي تنتشر في الجسد كله. على كل المجتمع أن يهب جمعا وفرادى للقضاء على التدخين على أن يبدأ كل واحد من بيته، حتى نوجد مجتمعا آمنا مطمئنا صحيحا معافى في كل شيء.