إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 24 فبراير 2015

العدل والتعليم




 

ظلت الشعوب العربية تمارس على نفسها الإستعباد القسري الذي تتميز به والذي لا تود أن تخلعه كرداء غث بالي لا يصلح للحياة ، لا يقي برد الشتاء ولا حر الصيف، وظلت الشعوب المستعبدة على حالها سعيدة جدا بل وتتقن التصفيق اللعين لأسيادها الذين يسوطون ظهورها بأقسى أنواع السياط.في الوقت الذي تصفق فيه هذه الشعوب الجاهلة المتمسكة بجاهلية العرب يكثر في كثير من ألسنهم التذمر اللعين من وجع السياط،تذمر خفي لا يكاد القلب يسمع ما يهمس اللسان ، ولا الأذن ما يهمس القلب ، خوفا من أن تسمع أذان الأسياد همسات عبيدهم فيعلو هزيم السوط وهو في رحلته إلى جلد العبد ، أو حتى لا يقال أن عبيد فلان متذمرون ومستاؤن وتعمهم القلقلة النفسية وإهتزاز الوضع الإجتماعي في حمى السيد الواحد.

حينما إزدهر الربيع العربي بزهوره التي لم تكن تزهر منذ أكثر من ثلاثين عاما ، فرحت الشعوب كثيرا حالمة بمستقبل مشرق ،الأخرون ظنوا إشراق مستقبلهم سيكون بفك القيد عنهم ورفع السوط عن جلودهم، لكن الشعوب العربية لم يكن يهمها هذا الأمر في ظنها أنه لن يطعمها كسرة خبز فحلمت برفع الرواتب وإكثار الهبات والأعطيات والإكراميات من المال الذي يكدحون هم فيه وليس الأسياد. فعقب الربيع صيف حار إلتهمت حرارته كل زهرة حاولت أن تعطر فضاء بستانها ،فعاد كل شيء إلى ما كان عليه سابقا مع مزيدا من إحتياط الأسياد خوفا من قلقلة عبيدهم الذين لا تشبعهم اللقمة كما يزعم السيد، فلم يعد للحرية وطن في الفضاء بل ظلت بين قضبانها تحدها الحدود ، وقتل حلم الفقير في إسترجاع أرضه المسلوبة ، وعاد للسجن من عاد وكثر المنافقون ،وعم التحايل وأستنزفت البحار بكثرة.
العبيد يحلمون بحياة هانئة طيبة وهم مصرون على التصفيق والنفاق ،فهجروا العلم ولم يكترثوا بتحقيق العدل أبدا مع أن العدل هو الذي يؤمن لهم مرقدهم ولقمة عيشهم وحريتهم في العيش ومزاولة كل مايحلمون به شريطة أن لا يؤذي الواحد الأخر،والعلم هو يؤمن لهن نور الدرب التي يسلكونها ويفتح لهم أفاقا كانت مغلقة وينور دروبا كانت مظلمة وبهما يتساوى الغني مع الفقير ،والعبد مع السيد كما تساوى الراعي مع الرعية حينما سئل من أين لك هذا ياعمر؟.
حينما تطلب الشعوب العدل والعلم تفتح لهم أبواب الحياة كلها وتنير لهم فضاءات الكون ،فالنهار مشرق بالشمس والليل مشرق بالقمر وكلاهما مسخران للإضاءة ،حتى يرى الإنسان بلا حدود فيقيم حضارات تأسست بالعدل والعلم ،لا الجهل والظلم الذان يهدمان علو الحضارات السامية. لكن الحال جدا محزن فنحن شعوب لا تطلب العلم والعدل كما ينبغي أن يطلب ابدا ،ننادي بالعلم في نوادينا وتجمعاتنا ونعزف عنه حينما نقف مع الأنا وجها لوجه،وننادي بالعدالة في كل تجمعاتنا وصروحنا ونغدر به حينما نختلي به،نعيش حياة الإجرام وعندما نقف بين القضبان نتهم الحكومات بالتقصير في نشر التعليم والعدل بين أوساط الناس. ياترى كيف ستنشر الحكومات العلم وسط قوم لا يحبون العلم ويكرهونه مكتفين بإشباع غرائزهم وشهواتهم. من يطلب العلم لن يتذمر على منهج موضوع غير مفيد ،العلم متاح للكل للغني وللفقير للقوي والضعيف للرجل وللمرأة للكبير والصغير،فالمشكلة إذا ليست في المدارس والجامعات،المشكلة أننا لا نحب العلم منذ المهد وإلى اللحد لان طلب العلم يعني أن نضرب بالشهوات والملذات عرض الحائط ونحن قوم تسحرنا الملذات والشهوات بجمالها. وحينما ننادي بالعدل في أوساط الناس ونتهم القضاء والأمن وغيرهما، سؤال بسيط قد يغير مجرا تفكيرنا هل نحن عادلون في حياتنا؟
هل نحن عادلون مع أنفسنا،مع غيرنا مع مجتمعنا؟ هل نطبق العدل وبحذافيره؟ حينما نقف أمام المرآة وننظر في عيوننا حتما سننكس الرؤؤس موقنين أننا قتلنا العدل  ، قتلناه نعم قتلناه في أشياء كثيرة ضاربين بكل شيء عرض الحائط ،وحينما تجمعنا في النوادي قلنا أن القضاء ظالم أن الأمن ظالم أن العدل قد قتل! من قتله يا ترى؟ سنشير وبإيمان تام إلى الحكومات...لا ليست الحكومات من قتل العدل وليست الحكومات من بقرت التعليم،،،لا ليسوا هم...
لنفكر قليلا ثم لنفكر مرة أخرى، نحن من تسبب في كل هذا وذاك وثم مالبثنا إلا وتجمهرنا لنطالب بشيء قتلناه بأيدينا.
قانون التغير يقول إبدأ بتغير نفسك،إبدأ بتعليم نفسك ،إبدأ بتطبيق العدل في كل جوانب حياتك ثم أصدع به شيئا فشيئا حتى يعم، بعدها سنجد الفاروق يمشي بيننا عزيزا كريما.
لن تصلح أحوالنا كشعوب عربية مالم نفكر بتغير حالنا أولا،ويجب علينا أن نسعى لتطبيق العدل ونشر التعليم كما ينبغي ،تاركين التذمر والتواكل خلف ظهورنا مشمرين عن سواعد الجد والإجتهاد ولنغلق آذاننا عن الثرثارين فإنهم يهدومون ولا يصلحون ،لأنهم لا يعرفون العيش بدون التعدي على الأخرين وها نحن نعيش زمن الثرثرة البغيض .حينما أحتلت فرنسا الجزائر ،فكر أحد الحكماء أن مقابلة جيش يمتلك القوة ستكون النتيجة خسارتهم لأرواحهم ولطاقات الوطن كلها،فأمر الجميع بنشر التعليم لأن العلم يفتح العقول وينميها ويجعلها تعمل كما يجب وفعلا إنتشر التعليم بينهم حتى أستطاعوا أن يحرروا بلادهم،نعم أخذوا وقتا طويلا لكنهم في النهاية تحرروا من إستعمارين، الإستعمار الفرنسي وإستعمار الجهل في آن واحد.

 

 

 

السبت، 7 فبراير 2015

الراعي والخراف والكلب




لا شك إن رأيت يوما راعيا للخراف ستتمعن كثيرا فيه من جانب انساني, وفي خرافه الكثيرة التي يرعاها ويقضي معها جل يومه باحثا لها عن مرعى غني بالكلأ.يمشي ساعات طوال دون أن يكل أو يتعب ، وما أدرانا عن كلله وتعبه فهو لا يفصح عما يجول في سريرته أو ما يشعر به من تعب،لأن من يقومون بالرعي هم الأقوياء الصابرون. ستسأل نفسك الكثير من الأسئلة معقبة بتعجبات لا محدوة،ثم ما تلبث وأن ترحل عنه وفي نفسك شيء من الرحمة على ذاك الراعي الذي يجوب البوادي البعيدة بخرافه حتى تشبع هي وهو يقاسي كل أنواع التعب والجوع والعطش , ماخذا في ذلك أن ما ينجزه الراعي من عمل يفوق حجم المردود المالي , ان كان الراعي مستأجرا.

تذكرت أن خرافا كثيرة كانت لرجل عجوز هرم لا يقوى على تحمل مسؤلية الرعي ، فتركها تسرح في بادية ليست ببعيدة عن محله، كان العجوز قد قضى عمره في رعي الخراف وكان محافظا عليها إلى أن وصل به الحال إلى الضعف.كانت الخراف تسرح في الصباح الباكر إلى البادية القريبة تقتات من نباتات الأرض ثم ما تلبث إلا وتعود عند الغروب ،تعود جائعة كما ذهبت صباحا ،وسبب ذلك أن الأرض قاحلة ولا نبات فيها والسماء لم تمطر ذاك العام مما زاد الأمر سوء،واصل القحط مكوثه في إزدياد في هذه الأرض حتى يئست الخراف من الوضع الذي لا يطاق،فكان في كل يوم ينقص عدد الخراف العائدة إلى الزريبة، الأمر الذي جعل الرجل العحوز يوكل رعي الخراف لرجل في ريعان شبابه يهتم بمسؤلية الخراف ويكون عليها وكأنه صاحبها.
تسلم الشاب العهدة وقام بمهمته على أكمل وجه فكان كل يوم يأخذ الخراف لمرعى مملوء بأنواع النباتات الكثيرة ،فكانت كل يوم تشبع ،وأعتادت على هذا المنوال، كان الشاب كريما لطيفا رحيما بالخراف ، فكان يعاملها معاملة إنسانية يأخذها تحت الظلال في الهاحرة ،ويخفيها إن أمطرت السماء ،ويهتم بالمواليد الجدد،كان يقوم بعمل جدا رائع مع خرافه.فكانت بعض الخراف تخرج عن القطيع ثم تعود سريعا ، لم يكن يعاقبها بالضرب أو الحرمان وخاصة تلك الخراف الشرسة التي تناطح القطيع ،كان دائما ما يفصل بينها فحسب.
كبر الراعي الشاب وأكل الدهر منه وشرب فضعفت قوته وتعب ولم يعد يقوى على فعل ما كان يفعله ، فلم يعد يستطيع أن يأخذها إلى الأماكن التي كان يأخذها فاقتصرت رحلته إلى الأماكن القريبة فقط ، فساء هذا الأمر الخراف لأنها تعودت على المراعي الغناء وعلى إمتلاء البطون بما لذ وطاب.
حينما كان الراعي في رحلة الرعي خرجت بعض الخراف عن القطيع فذهبت لإقتحام بعض المزارع لإلتهام النباتات الوارفه واليانعة ،فعاثت بالزرع الفساد.فتعودت الخراف على هذا الفعل السيء الذي لا يرضي الراعي ولا صاحب المزرعة مما أدى بالراعي إلى الإتيان بكلب ليساعده في الرعي.دخل الكلب في مهمة الرعي فكان يعاون الراعي في إرجاع القطيع إلى مكانه ويقوم بتوجيهه أينما يريد،لكن الخراف كانت عاتية ولا تريد أن يرجعها الكلب عن مسارها فهي ترى حريتها في أن تأكل ما تريد وتذهب أينما تريد.
في خضم هذه المسؤلية المتعبة للراعي وهو شيخ كبير،أوكل المهمة برمتها للكلب في حفظ القطيع من الشتات والتبعثر والإنقسام ، فأعطاه الجمل بما حمل وأوكل إليه كل شيء ،فلا يهتم الراعي إلا حينما تختفي نعجة أو أن كبشا شرسا إقتحم مزرعة أو نطح حملا. استغل الكلب فرصته وتذكر ماضيه اللعين حينما كان أبوه كلبا مشردا يأكل الجيف الميتة،وينام في العراء يلتحف السماء ويفترش الأرض يأكل معدته الجوع ويقرس جلده البرد والحر ،كل هذه الذكريات جعلت الكلب يبيت في سريرته نية أن يأكل حتى يشبع وينام بإرتياح تام، فيلتحف صوف الخراف ويفترشه حتى ينعم بالراحة العظيمة،ضاربا الأمانة ورد الجميل عرض الحائط .صار الكلب كلبا متوحشا, كلما خرجت  من القطيع نعجة كشر لها بأنيابه الحادة فسرعان ما تعود، وكلما أحس بالجوع ذهب إلى وسط القطيع لينتقي حملا لذيذا ليلتهمه دون رحمة، ومن يعارضه من الكباش والنعاج كان ينهشها بأنيابه فيتركها طريحة جريحة متأذية، فلم يكن يجرؤ أحد على التفوه بكلمة أمامه أو خلفه معتقدين أن الحجارة لها أذان.استمر الحال هكذا فساء حال القطيع وقل عددها والراعي لا يأبه لقطيعه ولا يهتم والكلب ينعم بما يشاء.... .
وللقصة بقية....

 

الاثنين، 2 فبراير 2015

الحياة والفراغ



 

 
 
ليست الحياة مجبولة على قضاء أوقات منها في فجوة حيوية تشل النشاط الحيوي و تبعد بين الحياة والحياة،لتصبح جسرا تتوسطه هوة تفقده تواصله وترابطه الجميل ، وعمق هذه الفجوة وطولها يعتمد على حيثيات وتوجهات الفرد نفسه .وجدت الحياة لتكون متواصلة عبر سلسلة من الأنشطة الحيوية التي تنمي الوعي والمعرفة والفكر تجاه كل شي في الحياة ولا تتخللها فجوات قد تغير من مسار وإستقامة الحياة. فالفراغ هو الفجوة الضارة التي تتخلل حياة الإنسان وعادة الضعيف الذي لا يسير نفسه أبدا،ويكون رهينا لرياح الحياة الموسمية توجهه أينما توجهت.
إن إستمرار وتسلسل الحياة هو الأصل الذي يجب أن يكون معمولا به في حياة البشر والأحياء الأخرى حتى يتسنى للحياة أن يكتمل بنيانها برسوخ أرضي  وشموخ سماوي ، وحتى يكون مجموع نتاج الأفراد كلهم أكثر من الإستهلاك نفسه ليكون الباقي كمخزون تستهلكه الجماعات في أسوء الأحوال أو بالأحرى في الأحوال التي تعيق حركة الفرد ونشاطه. فالنتاج والإستهلاك هنا لا نقتصره على الغذاء والملبس والمسكن فقط، بل يرقى لأبعد من ذلك لاسيما تغذية الروح والعقل بالنشاط العقلي والروحي،اللذان يقيمان حياة الفرد مع الأنا والجماعة كونه مدني بالطبع. فحياتنا يجب أن تكون منظمة ومكتملة التخطيط وتمشي وفق معايير وأسس إما أن نكون قد رسمناها بأنفسنا أو قد تكون مستلهمة من الدستور الحيوي الذي لا إعوجاج فيه، حتى نستطيع أن ننتج أكثر من ما نستهلك لنضمن للحياة مسيرة واضحة دونما أي إعوجاج مضر بحياة الأنا والأخرين. فالفراغ أحد أكبر المشكلات التي تواجهنا في هذا العصر مما أدى بنا إلى التخبط و العشوائية في تخطيط مسارات حياتنا وتضارب الأحداث مع الواقع التي تمخضت حياتنا بفراغ غير مرغوب به فارتمت أنفسنا إلى أعمال لا تمت للنمو بصلة -وأقصد هنا النمو الحيوي بكل ما يشمله من عقل وروح وجسد- فتركنا الأعمال والأنشطة التي بدورها قد تحافظ على سلامة العقل والروح والجسد من اي هفوات وإنتقاصات قد تكون عائقا يوما ما أمام عجلة الحياة.فحينما رضخت أنفسنا تحت وطأة الفراغ،ولد فينا الكسل اللعين فصرنا نرى كل الأشياء ثقيلة جدا ومتعبة، حتى شرب الماء قد يبدو أحيانا متعبا إن لم يكن هنالك معينا على شربه مع توافره وبسهولة. فالإنشغال بالملهيات التي تجذب العقول لها والتي لا تنميها قد أخذ جل أوقاتنا، والنوم غير الطبيعي هو الأخر ، فعزفنا عن القرآءة مثلا مما أدى بنا إلى توقف نمو مستوى العقول والمدارك والوعي والمعرفة والفكر....وغيرها ،فتقلص بذلك عطاؤنا ونتاجنا للحياة مما أدى إلى إنحصار النتاج بكل أشكاله فنتج عن ذلك خلل واضح في حياة الإنسان.
وليس أجمل في الحياة من استغلال كل الوقت في المنافع التي لها تأثير إيجابي لحياة الناس والكون بأكمله، فعلينا أن نعود حيث البداية ونعيد تخطيط إستغلال الوقت لنقضي على الفراغ. لنقرأ لنستلهم ولنتعلم تجارب الأخرين ولنثري عقولنا لتتوسع مداركنا وفضاءات تفكيرنا حتى لا تحدها حدود،كل هذا وذاك حتى نستطيع أن نكون أفرادا مشاركين في بناء الحياة المستقيمة ، وحتى تكون عقولنا قادرة على رسم مخطط الحياة المستقيم الذي لا تشوبه شائبة ، ولا تكون عقول ضعيفة لا تخدم الأنا بأقل فكرة تحتاجها ، فنكون بذلك كالإمعات الذين يعصبون عيونهم الصحيحة فيمشون خلف ركب ما دونما تمحيص. فالعقل العقل ، والقرآءة القرآءة،ولنملي فجوات حياتنا بالعمل النافع ،ولنبتعد عن الفراغ بعد المشرق عن المغرب.