إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 29 مايو 2015

نحن وأبناؤنا والحياة



 



يحكى في الزمان الغابر أن صبيا فقد كلا أبويه في صغره، فشب بدونهما يصارع تيارات الحياة المنحدرة، عاش وحيدا بين جدران أربعة فاقدا لحنان الأبوة وحضن الأمومة،لم يكن يتلقن الرشد والنصح من قلب يحن إليه ،أو عقل يخاف عليه.فلم يجد قلبا يؤنبه على فعل خالف الرشد ،او عقلا يدله على منهاج قويم ،فاختلطت عليه الأمور برمتها ،أيستفتي قلبه؟ وقلبه يخالط قلوبا متباينة ومختلفة تحمل الألم والأمل ،أم يسترشد بعقله؟ وعقله صاحب عقولا كثيرة تختلف في مناهجها ومنابعها وفي توجهاتها، حتى في نظراتها للحياة .فنشأ صبيا يجمع بين كثير من الطبائع ،فالتبس عليه الكرم من البخل ،والرحمة من القساوة، والإعانة من عدمها ، فكان يرى الشمس حارقة فقط ،ولا يراها دافئة من جهة أخرى ، ويرى الليل موطن الوحوش والأشباح فقط ،ولا يراه سكنا وأمنا للنفوس المتعبة والاجساد المرهقة والقلوب المرهفة، رؤيته هذه وتلك ليست كما رأها الراشد ،أن الشمس في الصيف حارقة ،وفي البرد دافئة ، والليل موحشا في الغابات وفي الخرابات ،وسكنا بين الأحبة.إلتبست عليه الرؤية لأنه لم يجد من يعلمه أن هذا لذاك ،وذاك لهذا ،فقط رأى بمنظار الناس دون أن يتحقق من رؤيته وصوابها،فنشأ شاذا عن قاعدة إتخذها الأخرون مبدأ ومعينا.
هكذا هو حال أبنائنا في هذا الزمان ، قد نراهم جرتهم العاطفة والملذات والشهوات لتياراتها، دون أن نكترث لهم ولمستقبلهم الحيوي ، فنجد أنفسنا نهمشهم تهميشا لعينا ونحن نلهو بملذات الحياة ،تاركين الأبناء يجابهون تيارات الحياة بسيئها وحسنها وما أكثر سيئاتها ، تتقاذفهم الأمواج وتهبط بهم المنحدرات وتصدمهم الجنادل. ألقينا بفلذات الأكباد في حضن الحياة فأوكلناها عليهم لتربيهم كيفما تشاء رافعين الأكف إلى السماء بدعوة كاذبة لا تتعدى اللسان أن يوفقهم الله في حياتهم وفي سعيهم وأن تفتح لهم أبواب الخير والسعادة على مصراعيها وأن تفرش دروبهم وردا، دون أن نكلف أنفسنا بلحظة تفكير في كيفية بناء مستقبلهم الحيوي،ضاربين عرض الحائط الواجب الأبوي .
إن الطفل بحاجة إلى معلم أبوي وصديق حميم ولا نجدهما إلا في الأم والأب ،فهما المعلم والصديق في حياته منذ طفولته وحتى مماته أو مماتهما.فحاجة الإنسان منذ طفولته إلى معلم يرشده ويعلمه على منهاج حياة يتناسب وحياة الإنسانية من فكر وعاطفة وسلوك حياة ،لأن الطفل في صغره سيتعلم ما يتلقاه من أي أحد، وليس مجبولا على تبني سلوكا يتناسب وبيئة مجتمعه أو أسرته ،فتخلقه بأي خلق أو تبنيه أي سلوك إنما يكون بما رأه أو سمعه أو عايشه في مجتمعه المحيط ،فهو وعاء لكل سلوكيات وأخلاقيات البيئة التي يعيشها.
ما يحدث الآن في حياة مجتمعاتنا أننا نلقي بالطفل للمدرسة والمجتمع ليتربى في كنفهما ،منشغلين نحن بمصالحنا متناسين أن الحياة اليوم أصبح بها تيارات مختلفة وحركات متباينة منها الغث والسمين .ولأن العالم أصبح كقرية صغيرة جدا فإن في الساحة يتداول الكثير من الحركات مثلا، التي تختلف وتتباين في توجهاتها ونظراتها للحياة مما نتج عنها ظلم كبير في حق الإنسانية إذ العداء هو الفضاء الواسع في هذا التباين والإختلاف ليحدث بين إبناء الدين الواحد سفك للدماء وهتك للعرض. ولأن الإنسان يمكنه ان يعيش العالم وهو في غرفته فإن ألاف التيارات الفكرية والحركات الجماعية التي توافق النهج الإنساني وتعارضه،وما أكثر الذي يعارض،فمثلا هنالك الإباحيون والمخمورون ومتعاطو المخدرات وجماعات الإيمو وجماعات الماسونية والسفاحون والقتلة واللصوص والتكفيريون والليبراليون والعقلانيون ودعاة الإصلاح والصلاح والإسلاميون والمنافقون ودعاة الرذيلة وتجار الدين ولصوص حقوق الإنسان ولصوص حقوق المرأة ولصوص حقوق الطفل وووو الخ كل هولاء هم قريبون من إبنك وإبني ،فلنختار لإبنائنا مستقبلهم وإلا سينحدرون مع أي تيار يأخذهم في عمقه ولا رجعة مع التيار إلا من رحم الله.
فلنستوقف أنفسنا لحظة واحدة ولنفكر في مستقبل أبنائنا ،لنساعدهم كيف يختارون مصيرهم الذي يجب أن يكون أكثر إنسانية بعيدا كل البعد عن المخطئين المذنبين المجرمين ليكونوا رجالات تبني وتعاون على البناء . لنهتم في أبنائنا ولنعلمهم ولنجعل لهم نصيبا وافرا من أوقاتنا حتى ترتسم لهم البسمة في غدهم الذي يجب أن يكون مشرقا.
وما نيل المعالي بالتمني.... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.