إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 22 مايو 2018

خواطر رمضانية 6


الصدقة

حكمة الله في الحياة أن تتنوع الأشياء كلها، وتتباين، وتختلف، حتى لا تظهر لنا الحياة بلون واحد فتمل عيوننا ذاك اللون، ولا نتذوقها بطعم واحد فتمل أذواقنا ذاك الطعم، ولا نشمها عطرا واحد، فتمل أنوفنا تلك الرائحة الواحدة، ليحدث التباين والإختلاف في كل حيثيات الحياة. فصارت الحرارة والبرودة، والليل والنهار، والجوع والشبع ، الصحة والمرض، الهدوء والضوضاء، النشاط والركود، والغنى والفقر ، كلها حتى تنساب الحياة بإنسياب جميل لا ينزعج منها الكائن الحي. فالفقير بحاجة للغني ليرفع عنه الفقر بالعمل والخدمة والصدقة مثلا، لذا فرضت الصدقة على الغني لتعطى الفقير.

حينما قدّر الله الحياة جعل كل شيء مقدرا وموزونا إتزانا جميلا يدف عجلة الحياة بإنتظام بديع. فحينما قدر الله للغني أن يصبح غنيا، فالحكمة هي أن يعطي الغني من مال الله لذاك الفقير حتى تكون الإنسانية حية بين الإنسان والإنسان، وجعل الله مثوبة ذلك أجرا عظيما ، تحفيزا وتذكيرا للغني على مد يد العون والعطاء بلا توقف أو إنقاص، كل هذا حتى لا يتذبذب النظام الحيوي، ليعيش الإثنان حياة مستقرة.

وربط الله الصدقة بالصحة ، وزيادة الرزق، والأجر العظيم، والكثير من الفوائد التي لا تحصى، فحينما يتصدق الإنسان يعني أنه يخدم نفسه من ناحية ثانية قبل أن يخدم الإنسان الأخر، كل هذا حتى تسير الحياة منتظمة في تباينها وإختلافها. 
فالصدقة تحافظ على وحدة المجتمع وترابطه ليكون كيانا واحدا، وتحافظ على نظامه من التقوقع، لأن الفقير إذا فقد بعض سبل الحياة سيضطر إلى تبني بعض الطرق، وإتباع السبل ليضمن استمرارية عيشه، فإن توقف الغني عن واجبه من الصدقة، سيتغير الوضع إلى قلقلة تخرب حياة المجتمع ، فيختل النظام في كثير من الجوانب، لذا وجبت الصدقة.
والصدقة مفتاح السعادة للطرفين، فهي تجلب سعادة عارمة لصدور المتصدقين لتنتعش الأرواح والأنفس وتثلج الصدور. وتذهب السوء عن الإنسان، وتزرع الأخوة والمودة بين بني البشر، وتصنع قناة خير عظيمة، فكلما أحس أحد الأطراف بحاجة، سيجدها عند الأخر بسهولة ويسر.

فجاء شهر رمضان بجوائزه العظيمة لاسيما للمتصدقين، فضاعفها مضاعفة عظيمة، لتشجيع الإنسان على إتيانها، وذكر الله ذلك في كتابه العزيز  ، لتكون الصدقة من الأشياء التي يجب على الإنسان المحافظة عليها. فالصدقة تبني المجتمعات وتقوي روابطها، وتزيل كل سيئات الحياة، لتزرع في كل البقاع خيرا كثيرا.

الاثنين، 21 مايو 2018

خواطر رمضانية 5


 الإسراف والتبذير في الأطعمة


كل شيء مختلف في الحياة، قد يبدو مثيرا للعقل ، للنفس، لكل الجوارح، حتى أنه سيكون محطة مثيرة للتساؤلات مثلا، لأن الذي لم تتعود عليه العقول حتما سيشد إنتباهها، والنفس كذلك، وباقي الجوارح هي الأخرى، وحتما سيكون مليئا بالفائدة.
حينما يطل علينا شهر رمضان، سيختلف نوع الروتين الحيوي الذي يعيشه المسلم في رمضان عن باقي شهور السنة، لأنه جاء بالإختلاف الذي قد يضفي للنفس فائدة، وللجسد وللعقل ولكل شيء يتعلق بالإنسان نفسه وما حوله. لأن أشياء كثيرة يتغير نظامها ، ومن هذه الأشياء شيء يعد غاية في الأهمية، ألا وهو الطعام، والإمتناع عنه فترة النهار لأسباب عديدة تتعلق بالجسد نفسه صحيا، وبالنفس روحيا، وبالفرد إجتماعيا. 

حينما يشار للطعام في رمضان، كل متخصص سيتكلم بلغته المفهومة التي يبدع فيها، فالطبيب سيثني على النظام المعيشي في رمضان، والمتخصص الأقتصادي هو الأخر، والعالم الإجتماعي أيضا، وغيرهم، لأن النظام في رمضان نظام شامل ومتكامل ولم يفرط في شيء ما. فحينما أمر بالإمتناع عن الطعام فهذا يعني أنه على الفرد الإمتثال لهذا الأمر حتى ينتفع ويستفيد بكل الفوائد المرجوة. فيقتصد ويقلل من الطعام ليواكب ركب الصائمين متمثلا بكل شيء ومتماشيا مع كل أنظمته ووصاياه وأوامره ونواهيه.
ما يبدو عليه المسلمون اليوم في رمضان قد يعد مختلفا تمام عما يجب أن يكون لاسيما في تعاملنا مع الطعام، لأن الوصية أو الأمر جاء بأن نقتصد في تناوله ، ولكننا أصبحنا نعد الطعام في رمضان أكثر مما في غيره، ونأكل أكثر مما في غيره، لنخالف السنة، والنظام الحيوي الذي يجب أن نتمثل فيه في شهر رمضان.
يقوم الكثير من المسلمين بإعداد ماائدة ضخمة من الطعام في شهر رمضان، فيعد للفرد الواحد ما يكفي لخمسة أفراد، ليأكل نصيبه ثم يرمى بالباقي في مكبات القمامة، لنكون مسرفين مبذرين، غير آبهين بالنعمة التي نكبها في القمامة، مع أننا نعلم أن هنالك الكثير من الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم. ونشارك في زيادة نسبة وكمية الأطعمة المرمية. لذا نحن نعبث بالنظام الحيوي الذي يجب أن نعيشه في شهر رمضان، فحينما يفترض أن نتوقف عن الطعام وأن لا نأكل إلا القليل منه، لنغير القاعدة ونسرف فيه، لنحرم المحتاجين إليه منه.

حينما يأمر الشارع المسلم باتباع نظام ما، فهذا يعني أنه يوجهنا للفائدة والمصلحة، ويجنبنا المهلكة والمفسدة. فحينما نغيير النظام الحيوي والمعيشي في رمضان لنكون بشرا أكثر إسرافا وتبذيرا وعداوة لأنفسنا ولغيرنا، بهذا نحن لا نعقل ولا نشعر ولا نحس، ونعيش في مفارقة لا تحتمل ولا تصدق، إذ أننا نتصدق على المحتاجين في نهار رمضان، لنسرف في تحضير الطعام بكميات كبيرة جدا، لترمى أكثرها، فنحن بهذا نحرم المحتاجين له الذين نتصدق عليهم نهارا من الحصول عليه. هل نعلم أن عدد الجائعين في العالم يفوق الثمانمئة مليون جائع، وأن نسبة الطعام المرمية في القمامة في عمان بنسبة. 30% تقريبا، وما يقارب خمسين مليون ريال عماني!!!؟
دعونا نتفكر قليلا، في الطعام الذي نرميه، والذي نفسد به صحتنا، والذي نحرم المحتاجين منه. هل سنعيد ترتيب نظامنا الحيوي في رمضان ، فلا نسرف ولا نبذر!!؟؟



السبت، 19 مايو 2018

خواطر رمضانية 3



صلة الرحم

عادة كل كائن حي يتعرض لصدمة، مادية أو معنوية، ردة فعله هي أن يهرب عنها لأأمن ملجإ له، والملجأ الأمن هو الرحم المترابط المتصل، حتى إذا ما أصبح في محيطه يهرب عنه الخوف والألم والفزع بعيدا، لأن الرحم جميعه هو من يتحمل كل هذا الثقل مقاسمة فيما بين جميع أفراده. ليصبح الإنسان بالرحم قويا أمنا مطمئنا، بعكس الذين يعيشون في وسط أرحام متفككة متفرقة، متقطعة أوصالهم، حتما سيكون الجميع وكأنهم غرباء وربما أعداء لاسيما إذا فكك الشيطان وأعوانه روابطهم وقتلوا أواصر المحبة.

ما أجمل الحياة حينما يعيش الفرد وسط رحم مترابط متماسك، تجمع الجميع المحبة والألفة والأخوة العظيمة التي تكون حاجزا منيعا من أي تأثير سيء خارجي قد يحل عليهم. وما أسوء الحياة حينما يعيش الفرد وسط رحم متقطع، رحم متفكك، لا تجمعهم محبة ولا ألفة ولا أخوة رغم أن الجميع أتوا من رحم واحد، وتربوا في رحم واحد، إلا أن الشيطان فرق بين الأثنين، وأشعل فتيل الفتنة والبغضاء والحقد والعداوة.
ولأن الرحم من أعظم الأشياء التي يجب على الإنسان المحافظة عليها لما لها من تأثير قوي على حياته واستقامتها، فقد أمر الله الإنسان بالمحافظة على رحمه أيا ما كان، وربطه به، رغم كل شيء، ولا يفتح للشيطان مجال ليفكك روابطه ويقتل أواصر المحبة. فقد توعد الله قاطع الرحم بوعيد شديد فقد قال تعالى:  «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ• أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى‏ أَبْصارَهُمْ»1
 فقد ربط الله تعالى قاطع الرحم بالفساد في الأرض لأن قطع الرحم مفسدة عظيمة، بها تتفك الأسرة من كل روابطها فيبقى الفرد وحيدا ضعيفا إذا تكالبت عليه المحن والمصائب، فلا مرد للإنسان إلا رحمه وأسرته.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه.....)2
فصلة الرحم مربوطة بالإيمان بالله، وقطع الرحم إبتعاد عن الإيمان بالله ورضاه سبحانه وتعالى وهو الأهم في حياة الإنسان.

وتعتبر قطيعة الرحم معصية عظيمة، لما لها من أثر سيء على حياة البشر ، إذ إن الأسرة هي نواة المجتمع فإذا صلحت الأسرة وترابطت، صلح المجتمع وترابط. فالتفكك بين أفراد الأسرة الواحدة يعد فوضى في الحياة البشرية، لأن هذا التفكك حتما سيؤدي إلى تفكك المجتمع والأمة بأكملها. فرقي الحضارات مناط بالترابط الإجتماعي والأخوة الإنسانية، ليكون الإنسان أخا للإنسان لا عدوا. فآن الأوان أن نراجع حساباتنا، وننهي خلافاتنا ولا نجعل للشيطان مكانا بيننا. فأن نعيش وسط أسرة متحابة مترابطة تملأها المحبة والأخوة أعظم من كنوز الدنيا الزائلة، ولن يستشعر الإنسان هذه العظمة وهذا الثراء إلا إذا أحلت به مصيبة الألم أو المرض أو الموت، أو أي مصيبة أخرى، حينها سيشعر كم أنه خسر أكثر مما ربح في هذه الدنيا، ناهيك عن ما ينتظره من خسارة سيئة يوم القيامة.

 1- سورة محمد، الآية 22، 23
2- رواه البخاري

الجمعة، 18 مايو 2018

خواطر رمضانية 2


كلما طالت مشقة النهار، وامتدت ساعاته، وازداد تعب الأجساد، وإرهاق الأنفس ، لابد من ليل هاديء يعقبه، ومحطة تقطع وصله، لتهدأ نفوس مرهقة، وتستريح أجساد متعبة، وتتنفس الصعداء صدرور أرهقتها حرارة النهار. كلما ازدادت اشتغالات الإنسان بالدنيا وملذاتها وهو نشيطا قويا، لابد له من لحظة يركن فيها ضعيفا، مبتعدا عن كل نشاطات الحياة الجسدية والعقلية، حتى يريح جسده وعقله وروحه من كل جهد أتعبه واستهلك طاقته. 

يجتهد الإنسان في حياته كعجلة تدور بلا توقف، في سبيل تأمين لقمة عيشه، باحثا عن كل سبل الراحة في العيش مجتهدا بنفسه وعقله وجسده، متناسيا كل تعب وإرهاق. في وقت ما يجد الإنسان أنه بحاجة للحظة يرتمي فيها في بحيرة ما مبتعدا عن كل الحياة وما فيها، يحدّث نشاط روحه، يحدّث نشاط عقله، يحدّث نشاط قلبه. يجد نفسه بحاجة لمناجاة روحية تبدد كل أتعابه التي أثقلت كاهله، وشرخت قلبه ونفسه بشفرات الحياة الموجعة، بحاجة لسيل منهمر يغسل جوارحه المتعبة. في خضم هذه الحياة المرهقة وجد شهر رمضان بحياته الجميلة وطقوسه الممتعة، شهر نسيمه روحانية، وطقوسه عبادة لذيذة، ونشاطاته كلها ذكر، سماءآته يتردد فيها صدى صوت قاريء القرأن، ومساءآته تسبح فيها حشرجات  التائبين العابدين الذاكرين، صوت بكائهم يصدح بين الأضلاع لينفجر في فضاءآت كلها قدس. شهر تموت فيه أرواح قاسية، لتحيا أرواح لينة طيبة، شهر تختفي فيه ألسنة بذيئة، لتخرج ألسنة كلامها طيب، شهر تزول منه أيد وأرجل تخضبت بالعبث، لتجيء غيرها أيد مبسوطة بالعطاء الكريم.


شهر رمضان الذي تتجدد فيه الأرواح، وتغتسل فيه القلوب، وتصفى فيه العقول، شهر وجد كمحطة استراحة للمسلم من عناء الحياة ، وماء به يغتسل الخاطئون من أدران الحياة. شهر وجد لنا حتى نمحي خطايا الأمس بحسنات اليوم، شهر تكثر فيه معالم الخير والأمن والسلام والسكينة والحب. شهر علينا أن نعيشه كما يجب أن نعيشه حتى لا نخسر حياتين، ولا تفوتنا فرصتان ، لنجدد فيه الحياة الأولى، ونعمل للحياة الأخرى.

الخميس، 17 مايو 2018

خواطر رمضانية 1


خواطر رمضانية 1


الله أكبر، أذّن المؤذن مناديا لصلاة المغرب في أخر النهار لأخر يوم في شعبان، وأول ليلة رمضانية، بعد أن أرخى الليل سدوله، وأحتضنت العتمة الدنيا، وذهبت الأطيار لأعشاشها، والحيوانات لمرقدها، والنمل لمملكته، والنحل لخليته، هطلت بركات روحانية على الأنفس لتغسلها من أدران الشهوات، وتسحبها من مستنقعات الملذات، لترسو بها في مراسي السكينة والطمأنينة.
أذّن المؤذن معلنا أن الشهر الفضيل قد حل ضيفا مباركا، جاء بقوافل الخير والبركة، جاء بشيرا، جاء يحمل البسمات، بسمات الوجه والقلب والنفس والروح. 
أّذّن المؤذن معلنا،  آن للروح أن تستكين في فـضاءآت الهدوء والسكينة ، وللقلب أن يخشع مؤمنا، وللسان أن يلهث ذاكرا، وللجوارح أن تعبد خالقها مصلية صلاة لا إنقطاع يفصلها، ولا شيطان يعكرها، ولا خيالات تغيبها، خيط ممدود متصل، وماء منهمر ينزل، ومطر غزير يهطل. أذّن المؤذن معلنا تحطم جسور الشهوات، وانقطاع حبال الملذات، وتبعثر خرز السيئات في غياهيب الظلمات، لترحل بلا عودة، وتزول بلا رجعة، وتنصرف حيث لا رجوع لها ولا ظهور. 
أذّن المؤذن حي الصلاة حي على الفلاح، مجتهدين متنافسين، الفائزون في الصفوف الأولى ، أصحاب الجائزة العظيمة، قيام بالليل عابدين، راكعين وساجدين، لم تغرهم الدنيا بملذاتها، ولم تفرحهم شهواتها، جل حياتهم بين خوف ورجاء، وحب لرب السماء. عبّاد كل حياتهم في الصلاة، أيقنوا أن بها تفتح لهم أبواب السعادة، وتنزل عليهم البركات والسكينة، وتذهب عنهم الهموم والألام والمصيبة، قلوبهم تخفق بحب ربها ، والسنتهم تلهث بذكره، وجوارحهم حاضرة في كل عبادة وذكر.

إنه رمضان أيها المسلمون، شهر الجوائز والمكرمات، شهر الرجوع، شهر الإنابة، شهر الهدوء حيث لا هدوء إلا هدوءه، شهر صحة القلوب، والأجساد، والجوارح، مبتعدة كلها عن السموم المؤذية المتعبة، لتنال صحة يعقبها هدوء وراحة وسكينة وفرحة وابتسامة. من اشتغلت روحه في رمضان لنيل مكرمات رمضان فقد فاز وسعد وشفي جسده، وهدأ قلبه، وسكنت روحه. إنه رمضان أيها المسلمون شهر تلامس الروح روحانيته، لتستيقظ الجوارح من مرقدها، شهر تتلذذ النفس بالصلاة مع خالقها، لتشعر بالعبادة وتحس بها حتى تجد حلاوتها في ركعة وسجدة وكلمة يلهث بها اللسان خارجة من  سويداء القلب.





الاثنين، 14 مايو 2018

مركز الخضراء لعلوم القرأن الكريم






يقاس تقدم الحضارات الإنسانية بحجم ما قدمت وتقدم من نتاج علمي، ثقافي وفكري، وهذه النتاجات تكون نتيجة جهد عظيم يقدمه الإنسان للمجتمع، حتى تقدم الجماعة أعظم هدية للفرد وهو تهيئة المكان وتأمينه ليزاول كل منهم نشاطاته الثقافية والفكرية بكل موادها ومستلزماتها، حتى ينتج أكثر ما يمكن إنتاجه في سبيل بناء حضارة إنسانية مترامية الأطراف والإتجاهات. كل حضارة سابقة إعتلت عرش التقدم كان للصرح العلمي نصيبا من إهتماماتها، لا سيما المكتبة والمدرسة وميادين التبادل الفكري والثقافي بكل مسمياتها، وكلها ظلت شاهدة على رقي كل الحضارات التي سادت على غيرها في الماضي والحاضر.

يعد مركز الخضراء لعلوم القرأن الكريم، مركزا ثقافيا مهما، ينظر إليه الناس بشوق ولهفة منتظرين ساعة إكتماله وإنتهاء تشييده، لما له من فائدة مرجوة للمجتمع من جوانب شتى. وهاهو اليوم المنتظر لتفتح أبواب المركز مشرقة صباحاته ، بعدما عمد الشباب النشط في تأسيسه وبناءه وتشييده، مكثفين جهودهم باذلين الكثير من وقتهم، بمعية كل أنواع الجهد والعطاء والبذل من كل أفراد المجتمع.
اليوم نفرح بجاهزية المركز ليكون شعاعا ونبراسا لعلوم القرأن والثقافة بكل جوانبها، وليكون صرحا عظيما تقام بين أروقته جلسات العلم والمعرفة لكل فئات المجتمع حتى يستنير الجميع من منارات العلم. آملين وبقوة أن الثمار ستكون وفيرة، وأن نشاطات كبيرة ستتحرك وتنشط، وفئات عديدة ستستفيد وتنهل من هذا المنهل العظيم، ونتمنى أن تلامس نشاطاته كل أفراد المجتمع صغيرهم وكبيرهم حتى يحقق الأهداف المرجوة التي من أجله أسس هذا المركز.

آن الأوان لأن نهب جمعا وفرادى لبناء المجتمع ثقافيا ومعرفيا ، لأننا أصبحنا نملك كل المقومات، وكل المواد التي نحتاجها لبناء ثقافة المجتمع وتعليم أفراده والدفع بهم عاليا لمعانقة سماءآت الرقي. آن الأوان بأن نشمر عن سواعدنا جميعا، ونجعل هذه المؤسسات تعج بدروس العلم والمعرفة، وإقامة الأنشطة الثقافية والفكرية والمعرفية، حتى لا ندع فراغا إلا وملأناه معرفة، ليخرج لنا جيلا عارفا متعلما قارئا مثقفا. ولنعلم جميعنا أن المشاركة الجماعية واجب شرعي إنساني.


ختاما لا ننس أن نوجه الشكر العظيم للذين قاموا بإنشاء هذا المركز وبذلوا الغالي والرخيص حتى يخرج لنا صرحا عظيما كما نراه.


الأربعاء، 9 مايو 2018

كيف تستثمرين مواهبك دون الحصول على وظيفة!؟



يشهد العالم نموا كبيرا في كل جوانبه لاسيما النمو الإقتصادي والسكاني، فحينما يرتفع البعض متناميا قد يحجب عن الأخر وصول بعض الأشياء إليه أو صولها إليه، وحينما تتسع الطرق لأحدهم تضيق على الأخرين ، فتصبح الحياة مليئة بالعراك الحيوي، والتنافس التنموي في كل المجالات. وهذا النمو قد يجعل حياة بعض البشر صعبة بسبب عدم التوافق بين الحياة ومتطلباتها ، لذا يلجأ الإنسان لإبتكار الفكرة والطريقة والإسلوب ليعيش حياته متلائما مع حياة الأخرين.
وهذا النمو السكاني جعل الناس يتسابقون للحصول على اساسيات الحياة لاسيما الوظيفة التي بدونها يصعب على الإنسان العيش لأنها مصدر الرزق وعجلة الحياة، فالذين لم يحصلوا على الوظيفة والعمل ، كان لزاما عليهم البحث والتقصي عن مصدر الرزق ولو لجأوا لإبتكار الطرق والأساليب حتى يعيشون بسلام مع الأخرين.


نوارة فتاة تخرجت في الجامعة وهي ككثير من الخريجين الباحثين عن عمل منذ سنوات، لم ترزق بوظيفة رغم بحثها المتواصل وكفاحها الدؤوب للحصول عليها، فما حيلتها غير أن تقعد في البيت عالة على أسرتها، لكن الحال يضيق ويضيق ولم تعد تحتمل الوضع، فهي تريد أن يكون لها مصدر رزق خاص بها ولا تود أن تكون عالة على الأخرين. هي تحب هواية الطبخ كثيرا، وكانت تبدع في طبخها لأسرتها وتلاقي القبول الجميل لكل طبخاتها. ذات يوم ولدت في مخيلتها فكرة الطبخ وبيع منتجاتها خارج البيت لكل من يطلب منها أي طبخة أو صنعة من صنائع المطبخ. عملت خطتها ودرست رغبات المجتمع ووجدت أنها بحاجة لتطوير بعضا من حرفة الطبخ لاسيما في كيفية إعداد بعض المعجنات والكعك والحلويات. دخلت نوارة دورات تدريبية في كيفية إعداد ما ينقصها من خبرة في تحضير بعض الأطعمة المختلفة حتى أجادت التحضير. بدأت تحضر بعض من الموائد المختلفة، ثم أعلنت عنها في مواقع التواصل لتنشر للجميع. بدأ الناس يطلبون منها كل حسب رغبته، ومبتغاه، وهي تحضر وتعد لهم طلباتهم بجودة وإتقان. كل من يطلب أول مرة حتما سيطلب ثانية بسبب جودة ما تحضره وتعده. إنتشر خبرها بين النساء ، فكثرت عليها الطلبات وهي تجتهد في تلبيتها جميعا وهي في بيتها ووقت عملها فقط. لحظة ما وهي تحسب مدخولها الشهري وجدت أن ما تقبضه أكثر من راتب زميلتها التي توظفت في مؤسسة ما. فعملت لنفسها مصدر رزق تتحكم فيه بنفسها وتدير العمل ذاتيا دون مضايقة أو تعب نفسي، كمثل العاملين في مؤسسات حكومية أو خاصة.

قد يتعذر على البعض إيجاد الوظيفة بعد أعوام من الدراسة، وذلك بسبب صعوبة الوضع وندرة الأعمال والضعف الإقتصادي، لكن البحث عن فكرة إيجاد الرزق وتنفيذها يبقى بيد الإنسان نفسه، فالبعض لا يحبذون إجهاد عقولهم وأنفسهم لتأمين أنفسهم ماليا، فينتظرون الوظيفة لسهولة الحصول على المال. والبعض حينما تتأزم الأحوال والأوضاع يلجأون لخلق فكرة تكون الرحم الذي يتمخض عن الخير ، فيعتمدون على أنفسهم ليعملون في مشاريع خاصة يبدأونها من الصفر حتى النهاية. فالعمل موجود والمال موجود يبقى أن الإنسان عليه أن يجتهد في خلق الفكرة المناسبة لإيجاد مصدر الرزق.