إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 17 فبراير 2016

ماذا ستكون مفاجأة معرض مسقط للكتاب هذا العام؟!


تقاس حضارة الأمم بمقدار الكتب التي تقرأها كل أمة، أو بالأحرى، مقدار حب الأمه للكتاب، ومقدار أعداد المكتبات وأنشطتها. وتقاس أيضا بمقدار نشاط المؤسسات الثقافية والعلمية والنتاج الثقافي والعلمي والفكري، غير هذا لا يمكننا أن نشير بالبنان لأي أمة تفتقر إلى كل هذا ، وإن تغنت بمجد قديم أو مجد مصطنع، فالمجد في النتاج العلمي والفكري والثقافي.
والكل يعلم ما للمكتبة والكتاب من دور مهم في ترقية فكر الأمه، وتقويمها وسموها، وتقدم حضارتها، كل هذا مرهون بما تقدمه للكون بما فيه من مخلوقات من خدمة ، ومحافظتها على الإتزان الحيوي. وكل ما ذكرناه لا يبتعد عن السلوك، فالسلوك القويم والخلق الحميد هو ما نادت وتنادي به كل الحضارات السابقة والحاضرة. فالكتاب لا يرقي الفكر والثقافة ونمط الحياة فقط، بل الأخلاق في مقدمة كل شيء،
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت... إن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
فكان جديرا بالأمم الإهتمام ببناء المكتبة لتوفر الكتاب وسهولة الحصول عليه، وكوننا أمما عربية حاضرة لا تهتم بالكتاب، فقد لجأت حكوماتنا لعمل معارض للكتاب مرة بالسنة لنقتني الكتب التي نبحث عنها طيلة عام واحد إن وجدت.
فمعرض مسقط للكتاب أحد المعارض التي تقام مرة في كل عام، وهو حدث ثقافي تشكر الحكومة على المحافظة على استمراريته رغم ما عليه من عتب.
في السنتين الماضيتين قدم لنا معرض الكتاب مفاجأتين من العيار الثقيل بعرضه كتابين عبارة عن مجموعة قصصية ورواية لا ترقى المؤلفتان لأن تعرضا سواء بالكم أو بالأسلوب، ولأن الكتابين ضحلان ويفتقران للدسامة وكل من يفتحهما لن يجد ضآلته أبدا، ناهيك عن مضمونهما، والكلمات الموظفة فيهما، ويكأن من كتبها لم يجد في العربية كلمات سواها، كلمات حري بها أن تحترم الثقافة والقرآءة والكتابة ، وتحترم القاريء نفسه، فكان شئء من محتواها مالم يحترم المجتمع ككل. حينما يلجأ كاتب ما إلى استعارة كلمات فاضحة ليوظفها في رواية أو مجموعة قصصية في مجتمع يمقت مثل هذه السياقات ويعدها غير إخلاقية لجدير به أنه يفتقر للموهبة الكتابية التي بدرورها تجذب القاريء أو بالأحرى تجعل الناس يقبلون على الكتاب. فعادة من يجد في نفسه عدم المقدرة على توظيف الكلمة الراقية ، والأسلوب الراقي ، والصورة الراقية حري به أن يسلك هذا السبيل إن كان مبتغاه الشهرة وذلك من سبيل خالف تعرف. قرأت أحد الكتابين بتمعن شديد، حقيقة لم أجد الموهبة الكتابية البتة، فاندهشت كثيرا ليس من الكلمات الهابطة فقط، بل من الأسلوب وكيف لدار نشر أن تنشر مجموعة جمل وفقرات تفتقر للأسلوب الكتابي المثمر؟! وصلنا لدرجة أن دور النشر تنشر كل مابين الدفتين دون تمحيص وتقيم، والمصيبة الكبرى أن مؤسسة ثقافية ضخمة تدعم هذا العمل بحجة دعم المبتدئين، وفي المقابل هنالك أعمال كتابية ضخمة تنتظر الدعم ولا يلتفت إليها البتة. وحينما أثيرت قضيتهما أدعى البعض أنها حرية كتابية، وللكاتب أن يكتب ما يحلو له، ويوظف ما يرغب في توظيفه من كلمات في عمله الكتابي، دون أن يراعي مشاعر القاريء ويحترم ذوقه وذوق المجتمع، معتبرين أن من يرفض كهذه  كتابات فهو جاهل وحاقد ويسعى لإرتكاس الثقافة. تابعت جل المواضيع التي كتبت في هذه القضية من الجانبين ولن أعلق على أي منهم لكن سأذكر مثالا رائعا لكاتبة فرنسية كيف تحترم الكتابة وتحترم ذوق القاريء . الكاتبة الفرنسية سيمون دوبوفوار الثائرة الملتزمة ، ثائرة في حياتها تحب الجنس وتعتبره شيئا أساسيا في حياتها ربما حد الإشهار، وهي كاتبة وروائية بارعة تفوق جل الروائين العرب فما بالك بكاتبي تلك المؤلفتين، لا يصلان عشر براعتها في الكتابة. كانت سيمون دوبوفوار تكتب بحشمة كبيرة وحياء ربما يكون مبالغا فيه ، لا تكتب كلمات هابطة فاسقة، بل تحترم الكتابة باعتبارها فن عظيم مقدس ويوجب إحترامه. لا توظف الصور غير اللائقة، ولا الأساليب غير المحتشمة، رغم حبها المفرط للجنس والحرية، ونشاطها الحيوي لا دخل لنا فيه، حياتها وتعيشها كيفما تشاء. هنا نحن أمام قامة كتابية، أمنت أن للكتابة خلق ويجب التخلق به رغم رغباتها خارج الكتابة، هي تعلم أنها صاحبة موهبة أدبية تجعل القاريء يحترمها ويجلها. ذكرنا هذا المثال ليكون من خارج محتمعاتنا لنذكر الأخر أن للكتابة ذوق وخلق وهو فن رفيع لا يجب أن يتزيا به إلا من يجله ويحترمه. 
إن المؤلفتين اللتين قدمهما لنا معرض الكتاب في الدورتين السابقتين ، وفي ظني هما كبش الفداء لجس نبض الشارع لأن هنالك ما هو أدهى وأمر من أعمال كتلك التي تستعير الفاضح من الكلمات. فماذا عسانا ننتظر هذا العام من مفاجأة من نفس العيار؟!
الإشكالية التي تعصف بالمجتمع أننا أصبحنا لا نفرق بين الحرية السوية، وإغتصاب حريات الأخرين، وبين ماهو لي وما علي، لنعمل ما يحلو لنا ضاربين عرض الحائط الرأي الأخر، والذوق الأخر، ومشاعر الأخرين. فيكسر إطار الحرية لتكون حريات الناس غير مؤطرة لتتضارب مع بعضها البعض، فتختلط الأمور علينا. والمشكلة الكبرى أن مجتمعنا يخلو من الناقدين ليفيض من المنتقدين وهم كثر ، فما أحوجنا لناقد يوضح لنا أخطاءنا الكتابية ويعلمنا كيف نتجاوزها، ويخبرنا بمحاسن الكتابة. فكل العالم منتقد سواء كان يجيد القرآءة أم لا، فالكل يناقش ويحلل، ويدافع ويهاجم، ليبقى صاحب الأمر لا يعلم ما يحدث، ولا يعلم هو أين.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق