إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 20 أكتوبر 2018

الرحيل الذي يدمي القلوب


كلما أفتح الفيس بوك تصادفني منشورات خميس الغافري، راثيا أخيه الراحل الذي كُسرت قلوب أحبته برحيله، وتألمت كبادهم، وبكت كل جوارحهم، فتذكرت الخنساء حينما ترثي صخرا ويكأنها لم تحب سوى صخر، فصخر كان حبها الذي لم يمت حتى يولد ثانية بشوق عظيم حين رحيله. وتأخذني الذكريات لخطبة الملبب بن عوف حينما مات ابن للملك سلامة ذا فائش حينما سقط من على ظهر الخيل، فجاءته وفود العرب معزية له وهو على حالى يرثى لها من الألم والحزن والكمد حتى خطب فيه الملبب بخطبة رائعة تخفف عنه وطأة الفقد والحزن. وقبل الخنساء والملك، تعرج بي الذكريات حينما فقدت أخويّ ( اليقظان وناصر) في حادث مروّع تقشعر منه الأعين قبل القلوب والأجساد قبل الأفئدة، فلم يبق للعاقل عقل، وللحكيم حكمة، ولذي صاحب الرأي رأي ومشورة. فالمنظر رهيب والكارثة عظمى بعظم الحادث ومصيبة الفقد، فقد لبثت سنة لم يفارقني حزن، ولم تنقطع دمعة. أصبحت الليالي طويلة، فسامرت فيها السهاد والألم والكمد، فاقدا حبيبا لن يعود. طفقت أرقب رقم أحدهما دائما وأبدا، حتى أنني عمدت أرسل له رسالة الجمعة لعل وعسى أن يطرق باب قلبي رد منه، كنت أعلم بعقلي أنه لن يرد علي، وكيف لميت أن يرد على حي!!!؟ لكن من يخبر قلبي أنه مستحيل أن يأتي رد من رقمِ هاتفِِ صاحبه رحل رحيل أبدي. قعدت القلوب منتظرة عند الباب لعل الغائب سيعود، لعل أنه لم يمت ، لعله رحل دون إشعار، لأرض أخرى ثم سيعود ليحي القلوب التي ذبلت برحيله، وقحلت بواديها بغيابه، وجفت زروعها. 

كلما أرى منشورات خميس الغافري راثيا أخيه، ينتابني شعور غريب، يعود بي للأيام الخوالي ، فيذكرني بأيام عشتها فاقدا أحبة رحلوا دون أن يطرقوا بابي مودعين، فحين أصبحتُ أصبحتُ وقد رحلوا. رحلوا دون أن يشعروا القلوب برحيلهم، باغتهم الموت وهم في ريعان الشباب وريعان الطفولة ، رحلوا رحيلا جر بأذياله قلوبا متيمة لا تقوى على رحيل حبيب وفقده.

كلما أرى منشورات خميس الغافري راثيا أخيه تذكرني تلك بالزيات حينما فقد ابنه ورثاه بكلمات تدمي القلب وتكسر الفؤاد، وتبكي الجوارح كلها، كلمات شفراتها حادة، تقطع الحديد والجنادل، فكيف بقلب رهيف!؟ تذكرني بكل اب فقد ابنه، وكل ابن فقد أبيه أو أمه أو أخيه، بكل حبيب فقد حبيبه.

كان الله في عون كل الأحياء الذين نهشت قلوبهم مخالب الفرقى، وحطمت أضلاعهم أنياب البعد، وهزّ أجسادهم عاصفة الغياب والرحيل القاتل. ليت القلب ينسى صباحا ما تفعله الليالي، وينسى ليلا ما  يحدث نهارا، حتى لا يعرف الألم للقلوب دربا، ولا الحزن للصدور طريقا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق