إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 1 مايو 2016

طفلة حلب



بين أنقاض العمارات المتهايمة، والطرقات المليئة بالأشلاء ، والسكون الذي يخيم على سماء حلب، ثمة طفلة تبحث بين الركام عن الحضن الحنون، وعن صاحب الساعد الأسمر، وعن نصفها الأخر الذي طالما شاركها الرقص على جنادل البنايات ويملأآن المكان بالضحكات البريئة.
تقف في وسط أللا شيء تنظر بعيون محتارة خائفة، يحوطها كل شيء مدمر ، يهز كيانها البريء خوف وفزع وكأن لحظاتها تحولت لعتمات نجومها عيون الذئاب والأفاعي والجوع والبرد والحر. متسمرة وسط الكارثة وبين أضراسها أصابعها الناعمة تصك عليها بفكيها مدعومة بقوى الخوف تقطعها حتى تتفتق بدماء اليتم والذل والمهانة. متسمرة وشفتاها النرجسيتان تراقص الخوف خوفا والفزع فزعا ، والألم ينهش صدرها رويدا رويدا، يقتلها الذل ببطء شديد والحزن يجرحها بشفرة الضيق والشوق والفقد والوحدة اللعينة. متسمرة على قدميها النحيلتين الحافيتين اللتان فقدتا كل طاقتيهما ، فلم تعدا قادرتين على حمل جسد هزيل ، أضمرته الحرب الظالمة التي أوقدتها الشياطين لتنال مآرب لن تنالها ، لا بل ليتسلى أطفالهم برؤية الصواريخ والقنابل تدوي من سماءات حلب في سهولها وعرصاتها، ومدنها وقراها. متسمرة والدمع يغسل وجهها الأبي، الجميل البهي، وعيناها السنجابيتان تراقص الأمكنة، والنفس مخمورة من هول المنظر ، لم يعد للعقل عقل وللأذان سمع وللسان كلمات تنبسها الشفاة.

تركض بأللا وعي إلى ذاك الدمار لتنتشل أشلاءها المترامية في ناحية من الطريق أمها أبيها أخيها، قصفهم جبابرة السياسة بصورايخ الغدر والخيانة والذل والحقد، تصرخ ماذا تقول أمي أبي أخي ، فقدتهم جميعا، رحلوا عنها يحملون شكواهم إلى رب العباد ليزداد الشاكون على ساسة العرب لتكبر نارهم وتحر جهنمهم ، ليزداد لهيبها.
تبكي بكاء الفاقدين ، كيف تبكي لا تعرف كيف تبكي ، أتبكي بعينيها أم تبكي بقلبها أم تبكي بكل جوارحها ، هي لا تعقل شيئا سوى أنها تبكي وتتألم في كل عضو من أعضائها.
تبكي بذل ، تبكي بخوف ، تبكي بقهر ، تبكي بشوق ، تبكي بظلم ، تبكي بتعب ، لانها فقدت كل شيء في الحياة ، الوطن ، السكن ، المأكل ، الملبس ، الراحة ، النوم ، أمها ، أبيها ، أخيها، أصدقائها.
تقعد على الركام تقابل أمها وأبيها وأخيها منتظرة الموت لتلحق ركبهم وحولها أصوات الفجيعة مصحوبة بأصوات الصواريخ تدوي في كل الأمكنة.
تتذكر صدر الحنان الذي كان يضمها حينما تزلزل القنابل وطنهم ، الحضن الذي يحميها من الفزع من الألم من البرد من الحمى من السهر من كل شيء. تتذكر أصوات أمها وأبيها وأخيها ، تتذكر كل شيء حينما كانوا أحياء ، لم تصدق أن الحرب قتلتهم ، تتسأل ماذا فعلوا ليقتلوا؟!
ماذا فعلت لتكون وحيدة في هذا العالم؟!
هي لا تعرف أي شيء سوى أنهم قتلوا والدماء فاضت من أجسادهم لتملأ الأمكنة

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق