الرابط الذي يربط المدرسة بالبيت بالنسبة للطالب يجب أن يكون متناسبا ومتكاملا حتى تتم العملية التعليمية على أكمل وجه وبأفضل ما يكون، دون عثرات وحواجز تعيق استمراريتها ونجاحها أو بالأحرى حتى لا تكون هنالك بيئة خصبة تنمو فيها المنغصات والهفوات التي يسقط عليها الطالب وينحدر تعليميا. فالمدرسة المهد التعليمي للطالب والبيت هو المكان الذي يستعد الطالب فيه نفسيا وجسديا وعقليا ليبدأ يومه التعليمي التالي بنشاط وحيوية تمكناه من الاستفادة مما يتعلمه كل يوم.
حينما يبدأ الطالب بالصف الأول مشواره التعليمي قد يكون خرج من مرحلة مليئة باللعب واللهو والمرح، خرج من مرحلة لم تثقل كاهله فيها المسؤلية أو الواجبات. فكان يتقفز مثل الفراشة حرا في كل لحظاته كيفما يريد وأينما يشاء، مستمتعا بالحياة وكل ملذات الطفولة التي لا تحدها حدود ولا تعكرها معكرات، لكنها حياة لا تشوبها الشوائب. فحينما يفتتح يومه المدرسي كطالب عالم، يتوقع هو أن الحياة في المدرسة لن تكون سيئة ومملة ولا منغصة، بل كان يحلم بها حياة جميلة ممتعة وهذا يتضح في إلحاحه ليكون طالبا قبل موعده التعليمي. لكن المفاجأة قد تقصم ظهره وتعكر مزاجه وستحطم رياحها أشرعة قواربه فلن يحبذ الإبحار في بحور العلم بنفس الحيوية التي كانت تفيض من روحه قبل الإنضمام للمدرسة.
قد يعود الطالب من المدرسة ويجر معه التعب والإرهاق من يوم تعليمي لم يتعوده ولم يألفه البتة. قد كان حرا طليقا في بيته طفلا لا تثقله الأنظمة التعليمية المفزعة والتي لا تحمل سوى عصى وبندقية. ويحمل معه في حقيبته الثقيلة التي حتما ستكسر ظهره ما تبقى من تعب وإرهاق وألم، عددا من الكتب وحملا ثقيلا من الواجبات. يقضي جل يومه يتناوب عليه المعلمون منذ الشروق وحتى الظهيرة، كل منهم يرميه بنبال الواجبات والمتطلبات وكأنه في ميدان عسكري يتجهز للحرب التي لا عودة بعدها.
يصل الطالب البيت ويقضي الساعات فقط في حل الواجبات الكثيرة فينصدم نفسيا وجسديا وعقليا، فتولد في ذاته منذ اليوم الأول في المدرسة أن المدرسة سجن لا يطاق، وميدان عمل يقصم الظهر، وجرعة مرة كالعلقم، ولقمة تنغص الحياة. فيحاول الهروب من الواجبات بأي شكل وبأي طريقة، فيخفي على أمه الواجبات المعطاه، فاحيانا لايذكر إلا بعضا منها، فيقضيان على الأقل ساعتين أو ثلاث في إتمام الواجب، الطالب نفسه لا يفقهه ولا يعرفه أبدا. كيف يمكن أن يعطى واجبا وهو لم يتقنه في المدرسة ولم يفقهه ولم يلقنه المعلم كما يجب حتى يجيده هو. فنجده يميل إلى العزوف عن المدرسة فيخرج لنا جيلا لا يحب المدرسة، فيضعف نتاج التعليم ويكثر الذين لم يتموا تعليمهم.
حينما يدخل الطالب المدرسة في بداية عمره متنقلا من مرحلة عمرية مليئة بالمرح والحرية بعيدا عن الواجبات والمسؤوليات، يجب أن تكون المرحلة الدراسية الأولى مرحلة بسيطة، فيها يكثر التناسب والتقارب الجميل ما بين المرحلتين قبل وبعد، حتى لا ينصدم نفسيا وجسديا وعقليا، كما هو الحال في مدارسنا. وعلى المعلم أن يكون ذا قدرة على تكييف الجو وتبسيط الوضع، وأن يخلق بيئة تجعل الطالب يحب المدرسة لا يكرهها أبدا. قد يظن البعض أننا نكتب ضد المعلم كرها فيه وانتقاصا من حقه، لكن المشكلة الحاصلة تجعلنا نبديء أراؤنا ونقول ماذا يحدث لأبنائنا حتى نستطيع أن نحل المشكلة معا. فليس مقبولا أن يرجع الطالب من المدرسة محملا بثقل يكسر ظهره، ثم يتبعه بواجب مدرسي لم يتعود عليه يقيده ساعات وهو الذي كان يتقفز حرا في طفولته ما قبل المدرسة. على المعلم أن يجعل اليوم المدرسي أكثر سهولة لتكون المدرسة ميدان العمل، والبيت ميدان التجهيز والتحضير للمدرسة جسديا ونفسيا، وليس ميدان إكمال الثقل والشغل الذي لم يكمل في المدرسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق