سلسلة مقالات التعاون الثقافي مع مدرسة لميس الأنصارية
كل يوم تشرق فيه الشمس نتفاجأ بميلاد تقني جديد، ونرى نتطورا جديدا في الحياة الإنسانية. كل يوم يدهشنا الإنسان بتوسعه العلمي، وإدراكه العقلي متصاعدا بتطوره الذي يخدم الحياة ويسهّل سبلها ووسائلها، ليصبح المستحيل سهلا متاحا، والطرق لتحقيق الأحلام والأهداف تبدو أقرب مما نتخيل بسبب تسخير الوسائل التي تساعد على كل هذا وذاك، لاسيما التقنية بكل جوانبها المتفرعة والمتسارعة نحو التطور بخطى لا يدركها البصر لسرعتها، لتقدم للإنسان خدمة عظيمة لم يشهدها التاريخ ذي قبل.
فالألعاب الإلكترونية أحد وسائل التقنية التي أدهشت العالم بسرعة تطورها، وأدهشته ببراعة التصميم، والتسابق في تحديثها يوم بعد يوم، مما جعلت البشر يقبلون عليها قبولا متزايدا في استخدامها، باحثين فيها عن المتعة والفائدة لاسيما تلك الألعاب التي صنعت خصيصا لتنمية مهارة العقل وبعض الحواس الأخرى. رغم أن فوائدها شتّى للإنسان، إلا أنها أداة ذات حدين إذا ما أسيء استخدامها، وأكثر الذين يتأثرون بها سلبيا هم الذين لا يستطيعون استخدامها بشكل متوازن ومنظم، لتصبح أداة هدم وحدّ مشفّر جارح.
وُجدت الألعاب الإلكترونية لاستخدامها استخدام بسيط ولوقت يومي قصير ليروِّح الإنسان بها عن نفسه بعد مشقة الحياة ومضايقاتها، وليثري بها عقله وينمي مهاراته. لكن الإنسان جعلها ملاذا يسترخي إليه، ويبتعد به عن العالم المحيط، لتصبح معولا يهدم كثيرا من الأشياء التي يستند عليها الإنسان بإعتبارها قواعد تقيم حياته وتدفعه نحو الأمام باستقامة لا إعوجاج فيها، ولتصبح كالسباع مفترسة عقولنا التي تحركنا في هذه الحياة.
فحينما أسيء استخدام الألعاب الإليكترونية، أوقعت الفرد بين قضبانها أسيرا، وبين مخالبها فريسة سهلة، فطفق يستخدمها بإفراط كبير، مضحيا بوقته الثمين وصحته التي لا تعوض، وماله وكثيرا من الأشياء المهمة في الحياة، فتعددت تأثيراتها السلبية في كل الجوانب الإجتماعية والنفسية والصحية وغيرها.
حينما كان يقضي الواحد منا وقته بين أسرته ومجتمعه في تواصل جميل، يبني العلاقة الإجتماعية ببني جنسه من القريب والبعيد، كانت الحياة جميلة ولذيذة ويشعر الفرد بكل ما تبثه الجماعة من ألفة ومحبة ووئام، ليصبح الفرد وكأنه عضو في جسد، لا فرد في مجتمع، فألم الواحد يشعر به الجميع، وحزنه متوزع على الكل، وثقله يحمله كل قريب وبعيد، فلا يشعر الإنسان ألا بالحب والألفة والسعادة وهو بين مجتمعه الصغير والكبير. بينما اليوم نجد الناس متباعدين، كل منشغلا بجهازه، مختليا به مفارقا أحبته وأصحابه حتى أهل بيته، ليشعر بحب اللعبة فقط، فاقدا حب الأسرة وأهل القرابة والأصحاب.
حينما أساء الإنسان استخدام الألعاب وأعطاها كل وقته، جعلته إنسانا أسيرا وفريسة لها فاقدا للحرية التي يضحي الناس من أجلها بدمائهم ومالهم وكل ما يملكون، واليوم يبذر الواحد منّا بوقته وحريته فاقدا جل يومه الذي لا يشعر برحيله، فيمر الوقت من بيننا سريعا كأنه لم يمر أبدا، فلا نشعر إلا وأن كثيرا من الأشياء فاتتنا ولم ندركها ولم نعرف حتى ما هيتها. الوقت الثمين الذي سنشعر بقيمته في أخر حياتنا بذّرناه أيما تبذير وأتلفناه في لا شيء إلا فيما يقتلنا ويقتل حياتنا وشبابنا ويدمر مجتمعنا ويلوث سلوكياتنا، فنشعر دائما أننا مشغولون ولا نملك الوقت لقضاء الحوائج ، فيمر العمر ولم ننجز شيئا.
حينما نفرط في استخدام الألعاب الإلكترونية فإننا ندفع صحتنا ثمنا لها، ونهلك أجسادنا، حتى تضعف، فلا نستمتع بالصحة فيما نستلذ متعته في الحياة الجميلة. عيوننا تفقد قوتها جرّاء التركيز المستمر ولساعات على شاشة الجهاز، فيضعف النظر وتقل الرؤية وتفقد العيون نضارتها وحيوتها فتغدو بلا بريق، حتى يوخزنا الألم فننتبه متأخرين بعد أن فاتنا القطار، ورحلت صحتنا بلا عودة. فيتعب العقل، ويرهق الجسد، وتستنزف القوة، ويضعف البصر وتكل العضلات وتذهب قوة العظام، فيشيخ الإنسان قبل أوان شيخوخته.
حينما لا يوازن الطفل مثلا في استخدام الألعاب الإليكترونية سيتعرض لمطبات حيوية سيئة تعيقه وتدمر صحته ومعيشته وحالته النفسية وعلاقته الإجتماعية. بسبب الإدمان باللعب، فقد كثير من الأطفال صحتهم وتعرضوا لأمراض سيئة مؤذية وخبيثة، منها تعذر علاجه، والأخر صعب بكثير، فيكبر الطفل وتكبر معه الأفة متعلقة بجذورها في كل حياته لا تفارقه إلا حينما يموت. أصيب كثير من الأطفال بالتوحد لإنعزالهم باللعب ساعات وساعات، وأصيبت عقولهم بعد إفتراسها، وفرغت من المحتوى المعرفي الذي يجب أن يحصل عليه الطفل بطبيعة حياته. بسبب الإدمان السيء باللعب ينشأ كثير من الأطفال بلا سلوك إنساني متحضر، لأنهم لا يتواصلون مع البشر إلا قليلا، كرسوا جل أوقاتهم في اللعب فاقدين لحظات التواصل الإجتماعي الجميل الذي يُعلم الإنسان ماهية الإنسانية وخصائصها ومتطلباتها ، فنشأ أطفال عدوانيين، أنيانين شرسين، فاقدين لكثير من السلوك الإنساني الطبيعي.
قد يكون اللعب سلاحا ذو حدين، وُجد للفائدة وتصبح كثرته وبالا على المستخدم ، ولنا في الحياة أمثلة كثيرة وعديدة. تذكر كثير من التقارير والبحوث العلمية سلبيات الإفراط في استخدام الإلعاب الإلكترونية وتحذر الناس من سلبياتها السيئة جدا لا سيما على الأطفال. يلجأ كثير من الناس إلى توفير أجهزة اللعب لأطفالهم ظنّا منهم أن هذا التوفير أحد الواجبات اللازمة على الأب والأم، فلا يهتمون بكيفية استخدامها ولا منتبهين لمخاطرها التي قد تأخذ أطفالهم من بين أيديهم ضحية سهلة ستبكي عليها العيون وستحترق عليها القلوب وستلطم عليها الخدود. علينا جميعا أن ننتبه وبقوة لمخاطر الألعاب الإلكترونية وخاصة الحديثة التي تأتينا مقصودة من جهات تود غرس السموم في محيطنا وتفترس عقولنا وتفرق شملنا وتصدع أساسنا. علينا أن نعرف كل ما نوفره لأطفالنا ومخاطره وسلبياته، لأن من يحب طفله حتما سيبعد عنه كل المخاطر ، ويجعله آمنا مطمئنا.