الصدقة
حكمة الله في الحياة أن تتنوع الأشياء كلها، وتتباين، وتختلف، حتى لا تظهر لنا الحياة بلون واحد فتمل عيوننا ذاك اللون، ولا نتذوقها بطعم واحد فتمل أذواقنا ذاك الطعم، ولا نشمها عطرا واحد، فتمل أنوفنا تلك الرائحة الواحدة، ليحدث التباين والإختلاف في كل حيثيات الحياة. فصارت الحرارة والبرودة، والليل والنهار، والجوع والشبع ، الصحة والمرض، الهدوء والضوضاء، النشاط والركود، والغنى والفقر ، كلها حتى تنساب الحياة بإنسياب جميل لا ينزعج منها الكائن الحي. فالفقير بحاجة للغني ليرفع عنه الفقر بالعمل والخدمة والصدقة مثلا، لذا فرضت الصدقة على الغني لتعطى الفقير.
حينما قدّر الله الحياة جعل كل شيء مقدرا وموزونا إتزانا جميلا يدف عجلة الحياة بإنتظام بديع. فحينما قدر الله للغني أن يصبح غنيا، فالحكمة هي أن يعطي الغني من مال الله لذاك الفقير حتى تكون الإنسانية حية بين الإنسان والإنسان، وجعل الله مثوبة ذلك أجرا عظيما ، تحفيزا وتذكيرا للغني على مد يد العون والعطاء بلا توقف أو إنقاص، كل هذا حتى لا يتذبذب النظام الحيوي، ليعيش الإثنان حياة مستقرة.
وربط الله الصدقة بالصحة ، وزيادة الرزق، والأجر العظيم، والكثير من الفوائد التي لا تحصى، فحينما يتصدق الإنسان يعني أنه يخدم نفسه من ناحية ثانية قبل أن يخدم الإنسان الأخر، كل هذا حتى تسير الحياة منتظمة في تباينها وإختلافها.
فالصدقة تحافظ على وحدة المجتمع وترابطه ليكون كيانا واحدا، وتحافظ على نظامه من التقوقع، لأن الفقير إذا فقد بعض سبل الحياة سيضطر إلى تبني بعض الطرق، وإتباع السبل ليضمن استمرارية عيشه، فإن توقف الغني عن واجبه من الصدقة، سيتغير الوضع إلى قلقلة تخرب حياة المجتمع ، فيختل النظام في كثير من الجوانب، لذا وجبت الصدقة.
والصدقة مفتاح السعادة للطرفين، فهي تجلب سعادة عارمة لصدور المتصدقين لتنتعش الأرواح والأنفس وتثلج الصدور. وتذهب السوء عن الإنسان، وتزرع الأخوة والمودة بين بني البشر، وتصنع قناة خير عظيمة، فكلما أحس أحد الأطراف بحاجة، سيجدها عند الأخر بسهولة ويسر.
فجاء شهر رمضان بجوائزه العظيمة لاسيما للمتصدقين، فضاعفها مضاعفة عظيمة، لتشجيع الإنسان على إتيانها، وذكر الله ذلك في كتابه العزيز ، لتكون الصدقة من الأشياء التي يجب على الإنسان المحافظة عليها. فالصدقة تبني المجتمعات وتقوي روابطها، وتزيل كل سيئات الحياة، لتزرع في كل البقاع خيرا كثيرا.