يحكى أن عصفورين كانا يزقزقان ويقفزان معا منذ بزوغ الفجر وحتى الغروب ، لا يفرقهما إلا حاجة وللحظات قليلة فقط، تآنسا حتى الثمالة ،كان الجميع يراهما كل صباح على سعادة تامة ينشدان أعذب الحداء.ذات صباح لم يكن في الغصن إلا أحدهما، ولا يملأ الفضاء إلا السكون، لا أجنحة ترفرف ولا زقزقات يسمع صداها الشجي ، وكأن رحيلا تاما قد حصل هنا!.
ما بالك أيها العصفور وحيدا!؟
لم ينبس ببنت شفة، إلا أن همسات الغصن تسمع من بعيد كصوت عجوز أكل عليه الدهر وشرب ،يهدأ من حدة جزعه، قائلا: بأن من رحل قد رحل، وأن الحياة في استمرار جميل ، ستنساه كمثله حينما رحل ونساك، ثق أن من يريد وصالك سيصلك ، ومن لا يريد سيتجنبك ، لا تنتحب على زهرة عشقت الريح فاقتلعها من تراب قلبك ، إدخر الحنين في قلبك ولا تستنزف دموعك، حتى لا تظمأ عيناك، وحافظ على نظارة حبك ،رب عصفورة ستحتضن الورد يوما وستثمل من رحيقه. إنتظر الربيع بصبر جميل وأنت في صيفك عليل ، فالزهور الذابلة في الصيف ستكون أكثر نظارة في الربيع ، حينما يسمع العشاق وقع عشيقهم المطر على أرض قلوبهم ، وستهب نسمات الربيع في عرصات صدرك ، أكثر برودة وآنسا . رفرف في سماء السمو وحلق حيث كنت ، فالقاع في القاع ، والعلياء هي العلياء ، وما مكان الصقر إلا في سمائه محلقا . رب عشيقين ولدت المحبة يوم ولادتهم ، فماتت قبل ترعرعهما ، ورب طائرين لم يعرفا بعضهما حتى جمعت بينهما الأحداث ، فصارا جسدا وروحا ، لا الجسد يحيا بلا روح ، ولا الروح تحيا بلا جسد . إن الدقائق التي تبكي فيها لن ترجع ، فقد رحلت بلا عودة ، وقد استنزفت من رصيد عمرك ،فماذا أنت فاعل ؟!
عطر الصباح بعذب زقزقاتك ، وشارك الورد في رقصات الحياة، الساقية تعزف لحنا شجيا ،كآلة القانون الموسيقية ،لم تتوقف مادام الماء منحدرا .لا تجعل الفراق شفرة قاطعة تجزيء قلبك لأشلاء متفرقة ، بل إجعله كتابا تقرأ فيه الحكمة والدراية لتكون عونا في باقي حياتك . فكم من عصفورة هجرت عصفورها ورحلت عن عشها ، حتى طفق العش موحشا ، فلم تنتهي الحياة ، بل هي مستمرة ، وكم من عصفورة قتلت عصفورها ، وكم من عصفورة أغرقت في الساقية عصفورها .
نص من مؤلفة قصيدة الحياة , ( قيد التأليف) لصالح الفارسي .
كم من عصفورة أغرقة عصفورها في الساقيه..
ردحذفمضمون المقال جدا رائع .. كل توفيق
أسعدني جدا ردك, وقراتك للنص ,بدأ لي أنك قارئة ممتازة.
حذفكل التوفيق أتمناه لك