لا شك إن رأيت يوما راعيا للخراف ستتمعن كثيرا فيه من جانب انساني, وفي خرافه الكثيرة التي يرعاها ويقضي معها جل يومه باحثا لها عن مرعى غني بالكلأ.يمشي ساعات طوال دون أن يكل أو يتعب ، وما أدرانا عن كلله وتعبه فهو لا يفصح عما يجول في سريرته أو ما يشعر به من تعب،لأن من يقومون بالرعي هم الأقوياء الصابرون. ستسأل نفسك الكثير من الأسئلة معقبة بتعجبات لا محدوة،ثم ما تلبث وأن ترحل عنه وفي نفسك شيء من الرحمة على ذاك الراعي الذي يجوب البوادي البعيدة بخرافه حتى تشبع هي وهو يقاسي كل أنواع التعب والجوع والعطش , ماخذا في ذلك أن ما ينجزه الراعي من عمل يفوق حجم المردود المالي , ان كان الراعي مستأجرا.
تذكرت أن خرافا كثيرة كانت لرجل عجوز هرم لا يقوى على تحمل مسؤلية الرعي ، فتركها تسرح في بادية ليست ببعيدة عن محله، كان العجوز قد قضى عمره في رعي الخراف وكان محافظا عليها إلى أن وصل به الحال إلى الضعف.كانت الخراف تسرح في الصباح الباكر إلى البادية القريبة تقتات من نباتات الأرض ثم ما تلبث إلا وتعود عند الغروب ،تعود جائعة كما ذهبت صباحا ،وسبب ذلك أن الأرض قاحلة ولا نبات فيها والسماء لم تمطر ذاك العام مما زاد الأمر سوء،واصل القحط مكوثه في إزدياد في هذه الأرض حتى يئست الخراف من الوضع الذي لا يطاق،فكان في كل يوم ينقص عدد الخراف العائدة إلى الزريبة، الأمر الذي جعل الرجل العحوز يوكل رعي الخراف لرجل في ريعان شبابه يهتم بمسؤلية الخراف ويكون عليها وكأنه صاحبها.
تسلم الشاب العهدة وقام بمهمته على أكمل وجه فكان كل يوم يأخذ الخراف لمرعى مملوء بأنواع النباتات الكثيرة ،فكانت كل يوم تشبع ،وأعتادت على هذا المنوال، كان الشاب كريما لطيفا رحيما بالخراف ، فكان يعاملها معاملة إنسانية يأخذها تحت الظلال في الهاحرة ،ويخفيها إن أمطرت السماء ،ويهتم بالمواليد الجدد،كان يقوم بعمل جدا رائع مع خرافه.فكانت بعض الخراف تخرج عن القطيع ثم تعود سريعا ، لم يكن يعاقبها بالضرب أو الحرمان وخاصة تلك الخراف الشرسة التي تناطح القطيع ،كان دائما ما يفصل بينها فحسب.
كبر الراعي الشاب وأكل الدهر منه وشرب فضعفت قوته وتعب ولم يعد يقوى على فعل ما كان يفعله ، فلم يعد يستطيع أن يأخذها إلى الأماكن التي كان يأخذها فاقتصرت رحلته إلى الأماكن القريبة فقط ، فساء هذا الأمر الخراف لأنها تعودت على المراعي الغناء وعلى إمتلاء البطون بما لذ وطاب.
حينما كان الراعي في رحلة الرعي خرجت بعض الخراف عن القطيع فذهبت لإقتحام بعض المزارع لإلتهام النباتات الوارفه واليانعة ،فعاثت بالزرع الفساد.فتعودت الخراف على هذا الفعل السيء الذي لا يرضي الراعي ولا صاحب المزرعة مما أدى بالراعي إلى الإتيان بكلب ليساعده في الرعي.دخل الكلب في مهمة الرعي فكان يعاون الراعي في إرجاع القطيع إلى مكانه ويقوم بتوجيهه أينما يريد،لكن الخراف كانت عاتية ولا تريد أن يرجعها الكلب عن مسارها فهي ترى حريتها في أن تأكل ما تريد وتذهب أينما تريد.
في خضم هذه المسؤلية المتعبة للراعي وهو شيخ كبير،أوكل المهمة برمتها للكلب في حفظ القطيع من الشتات والتبعثر والإنقسام ، فأعطاه الجمل بما حمل وأوكل إليه كل شيء ،فلا يهتم الراعي إلا حينما تختفي نعجة أو أن كبشا شرسا إقتحم مزرعة أو نطح حملا. استغل الكلب فرصته وتذكر ماضيه اللعين حينما كان أبوه كلبا مشردا يأكل الجيف الميتة،وينام في العراء يلتحف السماء ويفترش الأرض يأكل معدته الجوع ويقرس جلده البرد والحر ،كل هذه الذكريات جعلت الكلب يبيت في سريرته نية أن يأكل حتى يشبع وينام بإرتياح تام، فيلتحف صوف الخراف ويفترشه حتى ينعم بالراحة العظيمة،ضاربا الأمانة ورد الجميل عرض الحائط .صار الكلب كلبا متوحشا, كلما خرجت من القطيع نعجة كشر لها بأنيابه الحادة فسرعان ما تعود، وكلما أحس بالجوع ذهب إلى وسط القطيع لينتقي حملا لذيذا ليلتهمه دون رحمة، ومن يعارضه من الكباش والنعاج كان ينهشها بأنيابه فيتركها طريحة جريحة متأذية، فلم يكن يجرؤ أحد على التفوه بكلمة أمامه أو خلفه معتقدين أن الحجارة لها أذان.استمر الحال هكذا فساء حال القطيع وقل عددها والراعي لا يأبه لقطيعه ولا يهتم والكلب ينعم بما يشاء.... .
وللقصة بقية....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق