ذات يوم عندما ضاق صدري من هم متشبث براسي يأسر عقلي و تفكيري وينهش قلبي من حدته،قررت أن أخرج لإحدى الحدائق العامة التي لبست حلل الجمال وتيجانه، حتى أفرج عن الهم الذي يراودني. دخلت فأستقبلتي الحديقة بإبتسامات جميلة تلقيها من كل حدب وصوب،فكل مرافقها كانت منظمة ومنسقة تبدو للعيان كأميرة حسناء. الزهور والورود تزينت بشتى الألوان تبث عطورها وروائحها الزكية لتعانق أنوف زائريها،وبأشكال متباينة ومختلفة. كل زهرة في تلك الحديقة تبدو من أول وهلة وكأنها ملاك تفننت في إختيار حلتها ورسم جمالها في عيون زائريها حتى ترسم في وجوههم بسمات الحب والسعادة والرضى.البحيرة الواسعة التي عكست في عرضها وجه السماء تبدو أكثر روعة حينما تكاثرت على ضفتيها الاف الزهور تعانقها العصافير والنحل وحشرات أخرى. منظر الحديقة الغناء يشعر الزائر بالجمال الساحر الذي يسحر بصر كل من يراه ،إنها نعمة عظيمة. في لحظة ما شعرت وكانني مالك تلك الحديقة بكل حسناواتها وكنوزها الطبيعية. فقررت أن أجلس في أحد مقاعدها المنتشرة تحت وارف الظلال،قعدت بجانب فتى كان يلبس نظارته الشمسية وفي ظني أنه يراقب أصدقائه الذين يلعبون ويمرحون بجانب البحيرة مع الطيور والحيوانات والزهور. تنفست الصعداء ثم أخذت أحادث الفتى:
من متى وأنت هنا؟
قال قرابة ثلاث ساعات وأنا في مكاني
لماذا لا تذهب لتلعب مع أصدقائك؟
قال: لا أريد
طيب لماذا لا تمشي في طرقات الحديقة لتستمتع بمناظرها الخلابة؟
قال أفضل الجلوس هنا،هنا أشعر بالإطمئنان لأنه مكاني المفضل وليس لي غيره.
طيب ما رأيك لو تزيل النظارة الشمسية من عينيك حتى لا تحجب عنك مناظر الطبيعة؟
قال كلاهما سواء،وهي تخفي حقيقتي
ماذا تقصد؟
قال: أنا لا أرى أبدا،ولا يوجد لدي أصدقاء إلا صديق مثلي تعرفت عليه سابقا ولا نلتقي إلا نادرا ،فلا يوجد من يلعب معي لأني لا أرى،كلهم لا يحبونني لأنني لا أرى ،كلهم يسخرون مني لأنني لا أرى،يخبئون أشيائي فلا أجدها إلا في وقت متأخر بمساعدة شخص يأتي فيجدني على حالي، وأحيانا لا أجد أشيائي. لهذا أنا وحيدا في هذا المكان ووحيدا في هذه الحياة. أنا عالة على بني الإنسان بسبب إعاقتي.
موقف تنفطر منه القلوب القوية، فتى كفيف يبتعد عن المجتمع لأنه يشعر أن المجتمع يبتعد عنه .فتى كفيف تعيش بين حنايا ضلوعه هموم بالية منغرسة خناجرها في قلبه،وعششت عند كل رواق غربان الألم والأسى.عندما أستمتع الناس بمناظر الطبيعة الخلابة تستمتع في قلب الكفيف النباتات والحشائش الضارة. كل هذا وذاك لأننا لم نشعر أن في المجتمع فئات تحتاج أن ترى وهي لا ترى، وتحتاج أن تمشي وهي لا تمشي، وتحتاج أن تسمع وهي لا تسمع. دورنا يكمن في أن نشارك الكفيف مثلا في رؤيتنا فنجلعه يرى بأعيننا وقلبا وجوارحنا. يجب علينا أن نمشي معا في طرقات المدينة،ونأكل معا في مطاعم المدينة ونتسوق في أسواقها. يجب أن نثق بهم وبقدراتهم حتى يساهموا بنشاط كبير في تدوير عجلة التنمية الإنسانية ،يجب علينا أن نفسح لهم المجال ويجلسوا بجانبنا في مقاعد الدراسة،لا أن نبني لهم مدارس خاصة لنبعدهم عنا.
خلعت نظارته ومسحت دمعتين حارتين قد بللتا وجنتيه،أخذت يده وسرنا معا في جنبات الحديقة، نرى ونسمع ونستشعر بجارحة واحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق