الامعات
.......الفكر
القويم أحد سمات المدينة الفاضلة , والاهتمام بالعلم اهتماما كبيرا احد الوسائل المؤدية
الى النجاح الكبير لتلك المدينة وشعبها . فالفكر من اهم الخصائص العظيمة التي
يتميز بها الانسان عن غيره من الناس والاختلاف في الفكر من طبيعة الحياه.
الفكر
المستقيم هو دائما ما يحافظ على استقامة الحياة في اي زمان ومكان وهو الأداة المميزة
التي استطاع بها الانسان ان يبني الحياة بنيانا مرصوصا لا ضعف فيه ولا تشقق.
والاهتمام بالتعليم اهتماما كبيرا له دور كبير في نمو فكر الامه , وكلما كان
التعليم صحيحا وقويما استطاعت الامة ان تخرج مفكرين عباقرة يعينوها على المضي قدما
الى مستقبل مشرق تعمه النهضة الكبيرة
والتقدم في سبل العيش والحياة.
وما
نعنيه سالفا هو الفكر القويم الصحيح من اي عله الذي اذا انتهجته امة ما ستنير
دربها وستفتح لها ابواب النجاح والحياة السعيدة. وعلى مر التاريخ انجبت الانسانية
عباقرة استطاعوا بفكرهم ان يغيروا دروب الحياة من الضيق الى السعه واخرجوا الناس
من حياة مظلمة الى نور الحياة ومن الصعوبة الى السهولة مستقيين فكرهم من ينابع
الحياة الصالحة وطبيعتها القويمة . وكما ان هنالك فكرا قويما يعين الامم على
التقدم والنهوض , هنالك ايضا فكرا منحطا وسيئا لا يقوم الانسان ولا ينهضه من سباته
وغفلته بل يحسن له السبات والغفلة وهذا متمثلا في اساليب الحياة السيئة , وللأسف
الشديد اصبح لهذا الفكر شعبية كبيرة جدا بين الامم والشعوب. ارباب الفكر السيء
اهتمامهم الاكبر ينصب في جمع الناس تحت مظلتهم ليسهل عليهم اغوائهم وسحبهم الى
اهتمامهم لتعم الفوضى في الحياة. فاصبح الفكر السيء يغالب الفكر القويم فانقسم الناس
الى قسمين منهم من يناضل من اجل الصلاح ومنهم من يناضل من اجل الفساد وهذا متمثلا
في الخير والشر. فاستطاع الفكر السيء ان يجمع في دائرته العدد الاكبر من الناس
وذلك بسبب الجهل الذي يعم اكثر الإنسانية , وايضا وبما ان الفكر السيء يبيح
الممنوعات التي تؤثر في الحياة وتضرها اصبح الناس ينظرون اليه نظرة محببه فابتغوا
هذا الفكر لأنه يكثر فيه الممنوع والمحظور وخاصة في الرذائل, وزين للناس حب
الشهوات , وحب الشهوات يقتضي هتك اعراض الناس وسلب حقوقهم. وهذا الفكر عادة ينتشر
في الامم التي لا تدين بدين سماوي قويم والتي لا تتمسك بشرع الله , لان الله خلق الحياة وقدرها ايما تقدير فبين
لبني الانسان الخير والشر معا وعاقبة كل منهما , بهذا فضل المسلمون تبني الفكر
القويم والتمسك بشرع الله لان الفكر القويم مستوحى من نور الله.
وبما
ان اليوم قد تغيرت الحياة واصبح العالم كقرية صغيره جدا واختلطت فيها كل الثقافات
وتعايشت الشعوب مع بعضها البعض وتداخل الفكر فيما بينه , صار من السهولة بمكان ان
يطلع الانسان على كل ما يريد وفي اقرب وقت وايسر وسيله. فتبنى الكثير من الناس
افكارا جديدة واساليب وانماط حياة مختلفة جدا عما وجدوه في مجتمعهم حبا في التجديد
والاختلاف, وليس كل جديد ومختلف هو حسن وطيب وانما هي رغبة في التجديد والتغير فقط
دون الاخذ بعين الاعتبار ان الجديد والمختلف الذي تبنوه ان كان طيب ام لا.
المروجون
للفكر السيء حسنوا فكرهم بتحسينات خارجيه تحمل في طياتها السم اللعين الذي يكاد
يفتك بالحياة فتكا ذريعا ويميتها ميتة لا حياة بعدها . فانتشر هذا الفكر في العالم
انتشارا واسعا وعم الارض كلها بأسماء مستعارة من الفكر القويم ويخبئ بين دفتيه سم
الافعى الذي لا شفاء منه ولا برء .
بلادنا
كغيرها من البلدان العربية التي انفتحت على العالم واختلطت فيها كل الثقافات ودخلت
علينا كل الافكار الطيبة منها والسيئة, بداية رفض المجتمع الكثير هذه الافكار وهذا
طبيعي لنا كمجتمع عربي مسلم ومحافظ كغيرنا من المجتمعات الإسلامية المحافظة. ولكن
مع هذه النقلة الكبيرة في التقدم في كل المجالات ولا سيما الاعلام والنقل
والاتصالات , وصار من السهولة بمكان ان يغزونا كل ما هو خبيث وسيء , ومعظم الخبيث
متستر بستار التقدم والتطور . بهذا اصبح المجتمع غير قادر على ان يحافظ على هويته العربية
الإسلامية , فإما ان نكون في عزلة عن العالم واما ان نرضى بكل شيء وهذا هو الحاصل.
وكما
قلنا سالفا ان الاختلاف في الفكر من طبيعة الحياة منذ الازل ولا يمكن لمجتمع ما ان
يختص بفكر معين ويحتفظ به ابدا فلا بد ان يتأثر بما حوله من الفكر والثقافة وتتأثر
به المجتمعات الاخرى.
وحينما
نظرت في حال مجتمعنا وجدته مثل القارب في عرض البحر تتقاذفه الامواج الكبيرة
والرياح العاتية لا حول له ولا قوه مرة شمالا واخرى جنوبا وهكذا دواليك. وهذا كله
بسبب الثقافات والافكار الجديدة التي عصفت بالمجتمع, واننا لم نكن نملك ذاك الفكر
القوي الذي نتمسك به لينقذنا من عواصف التغير واختلاط الشعوب وفكرهم وثقافاهم.
وقد
تبنى بعض من افراد مجتمعنا افكارا غريبه جدا زاعمين انها افكارا صالحه للعيش بها وان
هذا من سمات الحرية الشخصية وهم يروجون
لهذه الافكار فصار الناس يتبعونهم في مقالهم وسلوكهم فصاروا يزينوا افعالهم واقوالهم بالحسن الخبيث.
فتتبعهم ثلة كبيره من الناس الذين لا يفكرون بعقولهم ولا يحسون بحواسهم ولا يشعرون
بمشاعرهم وانما هم مثل الجهاز المبرمج الذي لا يعمل من تلقاء نفسه , وهولاء الناس
يسمون بالإمعة , هم من اشد المخاطر على المجتمع وهم سلاح خطير قد يفتك بالمجتمع
والحياة بسبب الفكر السيء الذي تبنوه ويضلون الناس ضلالا مبينا.
الامعه
تجده في كل محفل وميدان وفي كل جمع ونادي يروج لأفكار تبناها وعادة ما تكون سيئة
وغير صالحه. الامعات يعجبون بشخصية ما من اصحاب الفكر السيء الذين ينادون بالحرية
المزيفة مثلا فينتهجون نهجهم وينتعلون نعلهم فيروجون لفكرهم ويصارعون من اجله
مقتبسين قولهم وعاملين بعملهم. انزلوا انفسهم في الحضيض بانتهاجهم ذاك الفكر الذي
لا يعرفون ماهيته البته . هذه الفئة التي لا احبها يكثر منها في مجتمعنا ,
ويتفاخرون بنهجهم , وللأسف الشديد منهم الكاتب والشاعر والمعلم وووو
مدعين انهم على صلاح من الامر يتبنون قضايا مخدوعة ليخدعوا الناس بها.
تجدهم دائما بجنب الجروح لا ليعالجوها وانما ليدموها , هذا هو حالهم بعضهم يدرك
انه مخدوع بهذا الفكر والبعض الاخر جاهل بالخديعة ويجري ورائها جريا سريعا وبحماس
ونشاط كبيرين. هم دائما لا يقترحون للمشكلة حلا سليما وصالحا وانما يكثرون من
الثرثرة فيها , اسلوبهم ليس حوارا هادفا وانما استهزاء وسخريه وتصغير واحتقار
ليثيروا غضب الاخر فيظهر غيضه ليراه الناس ليكون حجة لهم وحجة عليه. لا ينتهجون
اسلوب المصلحة العامة وصلاح المجتمع ,همهم تحقيق نواياهم مهما كان الثمن مرتدين
ثوب الصلاح والاصلاح وهو منهم براء.
تعرفت
على بعض منهم في مجتمعنا وتحاورت معهم فادركت عقولهم ونواياهم التي لا تؤتي ثمارا
طيبة وانما هم امعات تفعل ما يملى عليها من قول وفعل. يقتبسون جميل المقال ليوضعوه في غير محله , كلمة حق يراد
بها باطل , يقتبسون عبارات لرواد غي فكر ما ليجعلوها شعارا من شعاراتهم وحجة من
حججهم الواهية كما يفعل المبطلون والمطبلون.
صالح
الفارسي
مساء
الاثنين الثامن من صفر 1433ه
الموافق
2/1/2012م