كنت قد أعددت عدتي لشهر رمضان وأسوقها ملأى ، ليست كالعربات التي ملأت في الأسواق التجارية بمسمنات البطون و الرقاب، بل بالهمم والنوايا لصوم الشهر كما كنا نصوم، وبقيامه وبالإكثار من الأنشطة الروحية التي حتما ستشعرنا أننا أقرب بشبر على الأقل إلى الله من ذي قبل، رغم بعدنا كل البعد عن خالقنا الذي نستحضره كل يوم عشرات أو مئات المرات بالرحمن الرحيم، أو العفو الكريم ولم نستحضره بشديد العقاب. فقلنا أننا سنصوم شهر رمضان هذه المرة صياما يختلف عن ما مضى، محاولين أن نعيش حياة الصالحين، لا ليس الصالحين بل حياة مسمى أخر للذين يعبدون الله لا أعرف ماذا أسميهم ، يبعدون عن الصالحين بمئات الأعوام ربما ، لأن نشاط العبادة التي تقام في الطرفين ليس لها مجال للمقارنة أبدا، فالثاني لا يتنفس إلا صلاحا ونحن لا تنتفس صلاحا !. لنضع في أنفسنا حساباتا وفي حساباتنا جداولا وفي جداولنا مواقيتا وفي مواقيتنا أنظمة وأنشطة تأدب الروح قبل ترويضها ثم تغرس في عرصاتها ورد محبة الله ، والإيمان الخالص ، والوفاء والطمأنينة العظمى. فمن يقرأ دساتيرنا التي أعددناها ويكأنه يسترجع شيئا حتما سيذكره بالراشدين، أو أصحابهم، أو الشراة أو تلاميذهم، لكن الصورة كل تفاصيلها مغلوطة، فليس في الحال ما ذكره المقال البتة، لكن وضع الخطة سبقه قرآءة في تاريخ مضى حمل بين طياته ما يبكي فقدانه، فحرك أشجان النفس المخدوعة، لتدور عائدة حيث بدايتها المخدوعة، وما أكثر الخديعة ؟!.
أذن مؤذن أن رمضان قد حل ضيفا كريما، وأن الصيام قد وجب على المكلف، ليس عقوبة ، بل مدرسة ذات أنهار وثمر، ننال من ثمارها ونغتسل من أنهارها بعد الشرب، ولنحمل منها عظيم الزاد ليوم المعاد، لأن من لا زاد له لن يقاوم عثرات المسير، فالدرب وعر، والمسير صعب، و القوى حتما ستخور لمن لا زاد له. الله أكبر ، تكبيرة الإحرام في أول صلاة تراويح ، المساجد تعج بالمصلين وقد إمتلأت بطونها، وفاضت صحونها، وبدأنأ أول شيء في الشهر فرحين بأن الله من علينا ببدء صيام الشهر وهذه نعمة عظيمة لم ينالها من هلك بعد رمضان الذي مضى ، لعل في هذه النعمة فضل العتق والرحمة والمغفرة والرزق العظيم، ولا يخفى علينا أن في رمضان فوائد عظيمة قليلة هي ما ندركها وعظيمة هي التي لم تدركها حواسنا ومدراكنا، لكننا متيقنين أن من أدرك رمضان وصامه إيمانا واحتسابا سيحظى ولو بشيء منها، لأن من يعطي هذه المنافع هو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، والذي لا تحد كرمه وحلمه وعفوه ورحمته حدود.
بعد تكبيرة الإحرام هرع الناس جمعا وفرادى، جريا وهرولة لله مقتربين له طائعين ، يكثرون من العبادة، وينوعونها، بين سجود وركوع، وقرآءة ودعاء وصدقة، وتهليل وتكبير وحمدلة وحوقلة وإلى مالا تحصى، سعيدين بكل لحظة في يومهم حتى أتموا أكثر من عشرين ليلة لا تفوتهم لحظة إلا وقد كتب لهم فيها حسنة وفي رمضان تضاعف الحسنات.
بعد أول تكبيرة إحرام نمنا؟! والناس بين سجود وركوع، وتهليل وتكبير وصدقة ونفقة وجود ورحمة وخوف من الله وحب له. تخلل نومنا الكثير من الخسارات ، والكثير من الذنوب والكثير من الهرج والمرج، واللهو واللغط ، والقبح والمعاصي، استحوذ الشيطان على نفوسنا، فآسر قلوبنا، وأقتادنا خلفه كالأسارى المستعبدين ، كلما أرادت النفس أن تصحو من سباتها تلطمها معصية خبيثة فترديها صريعة بين الصرعى. طفقنا نصلي شكلا نقول ما لا تدركه قلوبنا فلا نستحضر صلاة ولا عبادة، ونقرأ القرأن شكلا فلا نعرف ماذا قرأنا وماذا نقرأ وأين قرأنا ومالذي قرأناه، ونصوم شكلا فلا في صومنا حكمة ولا عبرة، فقط تقرقر بطوننا المنتفخة بالطعام الذي يرمى أكثره، وأكثر الفقراء يفقده.
بعد العشرين يوم فتحنا أعيننا الوسنى لنرى التقويم فنقرأه (20 رمضان)، بحلقت في التقويم بحلقة النائم المندهش مما رأى، يومين متتاليين بين مصدق وغير مصدق، متسائلا أين ذهبت عشرون يوما ثم تلتها يومان؟! لم أتذكر أنني كنت في لهو ولعب ولغط ومعصية وتمتع بالحياة الدنيا ومتناسيا الحياة الأخرى. إنقضت يومان ، فأدركت أن رمضان فاتني ، فاتني قطاره حينما كنت ألهو بين المعاصي والظلمات في أول محطة له. سيبكيني الألم أظنه أربع ليال، لتبقى على الأرجح أربع ليال أخرى من أصل ثلاثين، والتي ستذهب في الحسرة والندامة، والتأمل بصيام رمضان المقبل كما كان يصومه الصالحون، أمل النفوس الكسولة التي تخدع عقولها بأمل كاذب. لم أتذكر بأن ملك الموت لا يحذر قبل إنتزاع الروح، وأن الموت ليس للشيوخ فقط ، فهو ينتزع حتى الرضع في حجر أمهاتهم.
كم أنا سيء الحظ وقد فاتني رمضان ولم أقطف ثماره ، صمت جائعا، وقد فاتني الفطور حينما يفطر الصالحون بكل ما لذ وطاب، صارخا ولا مجيب لقد فاتني رمضان، والناس فرحون في أعيادهم، عمتهم السعادة والبهجة ، وأنا أندب حظي الميؤوس ، لقد فاتني رمضان يتردد صداها الحارق بين أضلعي.
بعد أول تكبيرة إحرام نمنا؟! والناس بين سجود وركوع، وتهليل وتكبير وصدقة ونفقة وجود ورحمة وخوف من الله وحب له. تخلل نومنا الكثير من الخسارات ، والكثير من الذنوب والكثير من الهرج والمرج، واللهو واللغط ، والقبح والمعاصي، استحوذ الشيطان على نفوسنا، فآسر قلوبنا، وأقتادنا خلفه كالأسارى المستعبدين ، كلما أرادت النفس أن تصحو من سباتها تلطمها معصية خبيثة فترديها صريعة بين الصرعى. طفقنا نصلي شكلا نقول ما لا تدركه قلوبنا فلا نستحضر صلاة ولا عبادة، ونقرأ القرأن شكلا فلا نعرف ماذا قرأنا وماذا نقرأ وأين قرأنا ومالذي قرأناه، ونصوم شكلا فلا في صومنا حكمة ولا عبرة، فقط تقرقر بطوننا المنتفخة بالطعام الذي يرمى أكثره، وأكثر الفقراء يفقده.
بعد العشرين يوم فتحنا أعيننا الوسنى لنرى التقويم فنقرأه (20 رمضان)، بحلقت في التقويم بحلقة النائم المندهش مما رأى، يومين متتاليين بين مصدق وغير مصدق، متسائلا أين ذهبت عشرون يوما ثم تلتها يومان؟! لم أتذكر أنني كنت في لهو ولعب ولغط ومعصية وتمتع بالحياة الدنيا ومتناسيا الحياة الأخرى. إنقضت يومان ، فأدركت أن رمضان فاتني ، فاتني قطاره حينما كنت ألهو بين المعاصي والظلمات في أول محطة له. سيبكيني الألم أظنه أربع ليال، لتبقى على الأرجح أربع ليال أخرى من أصل ثلاثين، والتي ستذهب في الحسرة والندامة، والتأمل بصيام رمضان المقبل كما كان يصومه الصالحون، أمل النفوس الكسولة التي تخدع عقولها بأمل كاذب. لم أتذكر بأن ملك الموت لا يحذر قبل إنتزاع الروح، وأن الموت ليس للشيوخ فقط ، فهو ينتزع حتى الرضع في حجر أمهاتهم.
كم أنا سيء الحظ وقد فاتني رمضان ولم أقطف ثماره ، صمت جائعا، وقد فاتني الفطور حينما يفطر الصالحون بكل ما لذ وطاب، صارخا ولا مجيب لقد فاتني رمضان، والناس فرحون في أعيادهم، عمتهم السعادة والبهجة ، وأنا أندب حظي الميؤوس ، لقد فاتني رمضان يتردد صداها الحارق بين أضلعي.
صباح الثاني والعشرين من رمضان 1437