كان الكتاب من المقتنيات الثمينة جدا اذ احيانا اثمن من
الذهب والفضة عند من عرفوا وادركوا قيمة الكتاب واهميته , وقد اعتبر خير صاحب
وجليس اذ انه مؤنس لصاحبه ومسامر لا يمل ولا يكل تحبه النفوس وتشتاقه لمكانته
العاليه وطيب مسامرته ولأنه منبع يستقى منه العلم والادب وتستقى منه الحكمة
والبلاغة وجوامع الكلم فهو مدرسة التاريخ في سرده الجميل والرائع لأخبار السابقين
من الامم والمجتمعات من خير وشر, فهو المرجع العلمي الذي لا ينضب ابدا , بهذا كله
وغيره فقد اولي الكتاب جل الاهتمام من قبل الامم من الازل.
وقد عرفنا كيف كان السابقون يتهافتون الى اقتناء الكتاب
وقرائته حتى انحنت ظهورهم وجحظت عيونهم ولم يتلذذوا بالنوم في ليلهم ولا باللهو في
نهارهم انما قضوا اعمارهم في عيش حياة الكتاب الغاليه الرائعة يعيشون بها اكثر من
حياة بقول العقاد معللا شغفه بالقراءة ( حياة واحده لا تكفيني) فقد عاش اكثر من
حياة مع الكتاب وذاق لذته حلاوته.
فلم يصبح العقاد عبقريا الا لأنه قرا الكتاب وصاحبه ,
ولم يصبح ابن رشد فيلسوفا الا لأنه قرا الكتاب واتخذه قرينا , ولم يصبح العلماء
علماء من فراغ بل بواسطة الكتاب الذي رقى حياتهم الى سمو المكانة ورفعتها. اولئك
الناس كرسوا حياتهم كلها في قراءة الكتاب ليحصدوا ثماره ناضجة يانعه ولينالوا اجره في الدنيا والأخرة.
وبعد الثورة الصناعية اختلف الوضع كثيرا لاسيما معنا نحن
العرب اصبحنا لا نلقي بالا للكتاب ولا اهتمام . فقد نعده شيئا عاديا في الحياة يقل
اهتمام ومكانه من ابسط الاشياء وانما صار في فكرنا انه تحفة لا اكثر من ذلك ابدا,
وان تسابقنا الى معارض الكتاب لاقتنائه , فقط لنزين به مكتبات بيوتنا او مكاتبنا
لا اكثر من ذلك . في يوما ما كنت في زيارة الى احد الاصدقاء وكنت اتمعن في مجموعة
الكتب التي تزين مجلسه فاستدرك نظراتي بالقهقهة قائلا اكلت بعض كتبي الرمه (الأرضة)
فادهشني كثيرا ما علمت , يعني انه لا يفتحها البته.
اصبحنا لا نعطي الكتاب اي اهتمام مكتفين بأخذ المعلومة
من قناة الجزيرة السياسية والرياضية او من قنوات الافلام واصبحنا نقضي معظم
اوقاتنا في السيارة والنوادي الكلامية في اعراض الناس باحثين عن مساويهم وعيوبهم
ووو الخ. اصبحنا نعلل عزوفنا عن الكتاب بعدم وجود الوقت الكافي للقراءة. هذه هي
حال الكتاب في يومنا هذا.
في صيف 2011 اطلقت حملة بسيطة لا تتعدى مستواي ومكانتي الاجتماعية
في موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك الا وهي حملة اقرأ , هدفنا هو ان نحاول ان
نوقظ انفسنا من السبات العميق منادين انفسنا حي على القراءة ولكن ما لبثت هذه الحملة
الا واندثرت لا سباب كثيرة جدا اهمها ان الناس لا يحبون القراءة فلم يعطوا هذه الحملة
الاهمية البته , ومنها انها لم تلاقي الدعم الكافي لها.
فطفقت افكر في حل اخر لدعوة الناس الى القراءة فلم يوحى
الي بفكره الا بعد اشهر من ذلك, فقد كنت في احدى المكتبات وفجأة سالت البائع هل
لديكم كتب مسموعة ؟ فقال لي بالحرف الواحد لا
الا اللهم كتاب واحد الا وهو كتاب لا تحزن للدكتور عائض القرني فاشتريته لأسمعه
في السيارة حيث انني من الذين يستخدمون السيارة كثيرا .
من هذا تولدت لدي فكرة الكتاب المسموع , حيث ان المكتبة العربية
تخلو من الكتاب المسموع.
في الايام الماضية القليلة في الربع الاول من عام 2012
اطلقت حملة الكتاب المسموع في موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك لأن تصل هذه الحملة
الى كل شخص في المجتمع ومطالبا اياهم ان يدعموا هذه الحملة بكل امكانياتهم. لأنني رأيت
ان الكتاب المسموع قد يساعد على حل مشكلة العزوف عن الكتاب ومعايشته . وسنعيش حياة
الكتاب بالاستماع مثله في ذلك مثل القراءة وان كان اقل تأثيرا عن القراءة على
الأنسان الا انه سيساعد قليلا على تذوق حلاوة مادة الكتاب واستشعارها , ولان
الاستماع اسهل بكثير من القراءة وحيث ان الناس لا تحب القراءة سيسهل عليهم معرفة
مادة الكتاب ومحتواه باستماعه في السيارة او في البيت او في مكان اخر , ثانيا
سيستفيد من هذا المشروع ذوي الإعاقة البصرية حيث انه يمكنهم عيش حياة الكتاب
بالاستماع . وانا ارى ان هذا المشروع ناجح او بالأحرى سينجح ان اخرجناه في ابهى
حله.
فما نطلبه من الجميع ان يعطوا هذا الموضوع اهمية كبرى .
ننادي اصحاب المكتبات والتسجيلات ان يشاركوا في هذا المشروع او انهم يتبنوه لأنفسهم
ويعملون على تنفيذه . ننادي الادباء والكتاب والقراء ان يباركوا هذه المبادرة وان
يولوها جل اهتمامهم حتى ينجح هذا المشروع وننتقل بأنفسنا ومجتمعنا من عدم القراءة
الى القراءة .
وسأبدأ بالتواصل مع بعض الشخصيات الاجتماعية والثقافية والأدبية
في هذا الصدد.
والله نسال التوفيق والسداد,
والله من وراء القصد.
صالح بن سعيد الفارسي
صباح الاحد الحادي عشر من ربيع الثاني 1433ه
الموافق الرابع من مارس 2012م